ولما توفي دهش الناس وطاشت عقولهم واختلفت أحوالهم في ذلك. فقال عمر بن الخطاب ، رضياللهعنه ، من قال إن رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، مات علوت رأسه سيفي هذا (١) ، وإنما ارتفع إلى السماء ، فقرأ أبو بكر ، رضياللهعنه : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) (١٤٤) (٢) ، فرجع الناس (٣) إلى قوله وبادروا سقيفة بني ساعدة (٤) ، فبايع عمر أبا بكر ثم بايعه الناس خلا جماعة.
وغسله صلىاللهعليهوسلم ، علي والعباس وابناه الفضل (٥) وقثم (٦) ، وغسلوه وعليه قميصه لم ينزع. فكان علي بن أبي طالب يحتضنه إلى صدره والعباس يصب الماء ، وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية (٧). وصلى عليه المسلمون أفرادا لم يؤمهم أحد وحفر له أبو طلحة الأنصاري (٨) ، ودفن في الموضع الذي توفاه الله فيه. وكانت وفاته يوم الاثنين ، وفرغ من جهازه يوم الثلاثاء ، ودفن يوم الأربعاء (٩) في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة الشريفة ، وكان مرضه ثلاث عشرة ليلة. قال أنس بن مالك ، رضياللهعنه : لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، ـ يعني المدينة ـ ، أضاء منها / / كل شيء فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم (١٠) كل شيء ، ورثاه جماعة منهم أبو بكر وعلي وفاطمة وعمته صفية ، رضياللهعنهم أجمعين (١١).
__________________
(١) ينظر : ابن هشام ٤ / ٣٣٤.
(٢) آل عمران : [١٤٤].
(٣) فرجع الناس أ : فرجع القوم ب ه : ـ ج د.
(٤) عن أمر السقيفة ، ينظر : ابن هشام ٤ / ٢٢٥ ؛ الطبري تاريخ ٣ / ٢١٨ ـ ٢٢٣ ؛ ابن حبان ، السيرة ٢١.
(٥) الفضل بن عباس : أبو عبد الله ، استشهد بالشام يوم أجنادين ويقال : يوم مرج الصفر سنة ١٣ ه ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٣٠ ؛ ابن سعد ٤ / ٤٠ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٢٠٥.
(٦) قثم بن عباس : ابن عم رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، خرج مع زمن معاوية في فتح ما وراء النهر واستشهد بسمرقند ، ينظر : ابن سعد ٧ / ٢٦٠ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٢١١.
(٧) يروي ابن هشام أنه كفن في ثلاثة أثواب ، ثوبين صحاريين نسبة إلى صحار في اليمن وبرد حبرة ، ينظر : ابن هشام ٤ / ٢٢٩.
(٨) زيد بن سهل ... بن مالك بن النجار ، شهد بدرا ومات بالمدينة سنة ٣٢ ه ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ١٥٦ ؛ ابن سعد ٧ / ٣١٩.
(٩) يوم الأربعاء أ ه : ليلة الأربعاء ب د : ـ ج.
(١٠) أظلم أ ج د ه : + منها ب.
(١١) رضياللهعنهم أجمعين أ ج د ه : + والله سبحانه وتعالى أعلم.