المستعلي بأمر الله اختلفت دولتهم وضعف أمرهم ، وانقطعت من أكثر مدن الشام دعوتهم ، وانقسمت البلاد الشامية بين الأتراك والفرنج ، وكان مدبر دولته الأفضل قد استولى على بيت المقدس في شعبان سنة ٤٨٩ (١) ه ـ كما تقدم ـ وكان الفاطميون يخافون من الفرنج خوفا شديدا فلا يطيقون مقابلتهم بخلاف الدولة الأيوبية.
فلما دخلت سنة ٤٩٠ ه (٢) ، سار الفرنج إلى الشام وأخذوا أنطاكية بعد حصرها (٣) تسعة أشهر وملكوها في ذي القعدة (٤) ، وحصل بينهم وبين المسلمين وقعات وحروب ، وولى المسلمون هاربين ، وكثر القتل فيهم ونهب الفرنج خيامهم وتقووا بأسلحتهم ، ثم سار الفرنج إلى معرة النعمان فاستولوا عليها ووضعوا السيف في أهلها ، فقتلوا فيها ما يزيد على مائة ألف إنسان وسبوا السبي الكثير (٥). وأقاموا بالمعرة أربعين يوما ، وساروا إلى حمص فصالحهم (٦) أهلها ، وذلك في سنة ٤٩١ ه (٧).
فلما دخلت سنة ٤٩٢ ه (٨) قصد الفرنج بيت المقدس وهم في نحو ألف ألف مقاتل ، لعنهم الله ، وحصروا (٩) القدس نيفا وأربعين يوما ، وملكوه في ضحى نهار الجمعة لسبع بقين من شعبان سنة ٤٩٢ ه ، ولبث الفرنج يقتلون في المسلمين بالقدس الشريف أسبوعا ، وقتل في المسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألف نفس منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين وساداتهم وعبادهم وزهادهم ممن جاور في هذا الموضع الشريف ، وغنموا ما لا يقع عليه الحصر ، وجاسوا خلال الديار ، وكان وعدا مفعولا.
ثم حصروا جميع من في القدس الشريف بداخل المسجد الشريف واشترطوا عليهم أنهم متى تأخروا عن الخروج بعد ثلاثة أيام قتلوهم عن آخرهم. فشرع المسلمون في الإسراع والمبادرة إلى الخروج ، فمن شدة ازدحامهم بأبواب المسجد ، قتل منهم خلق لا يحصيهم ، إلا الله سبحانه وتعالى (١٠).
__________________
(١) ٤٨٩ ه / ١١٦٥ م.
(٢) ٤٩٠ ه / ١٠٦٦ م.
(٣) حصرها أ : أن حصروها ب ج : أن حاصروها ه : ـ د.
(٤) ينظر : ابن الجوزي ، المنتظم ١٧ / ٥٣ ؛ ابن الأثير ، الكامل ٨ / ١٨٥ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ١٥٥.
(٥) ينظر : ابن الجوزي ، المنتظم ١٧ / ٥٣ ؛ ابن الأثير ، الكامل ٨ / ١٨٥ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ١٥٥.
(٦) فصالحهم أ : وصالحهم ب ج ه : ـ د.
(٧) ٤٩١ ه / ١٠٦٧ م.
(٨) ٤٩٢ ه / ١٠٦٨ م.
(٩) وحصروا أ : وحاصروا ب ج ه : ـ د.
(١٠) ينظر : ابن الجوزي ، المنتظم ١٧ / ٤٧ ؛ ابن الأثير ، الكامل ٨ / ١٨٩ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ١٥٦ ؛ ابن ـ تغري بردي ، النجوم ٥ / ١٦٢.