فهلك بها وكان المركيس (١) من أكبر طواغيت الكفر ولم يكن وصل إلى بلاد الساحل قبل هذا العام ، واتفق وصوله إلى ميناء عكا ، ولم يعلم بفتحها ولا ما فيها من المسلمين ، فلما قدم عليها تعجب من أهلها لكونهم لم يتلقوه ، ورأى من فيها غير هيئة النصارى ، فارتاب لذلك وسأل عن الحال ، فأخبر (٢) بما وقع ، ففكر في النجاة وقصد الفرار ، فلم تهب له ريح ، وسأل عن البلد ومن إليه أمره ، فقيل له : الملك الأفضل ، فقال : خذوا لي منه أمانا ، حتى أدخل فجيء إليه بالأمان ، فقال : ما أثق إلا بخط يده. فما زال يرد (٣) الرسل ويدبر الحيل حتى وافقته الريح فأقلع وتوجه إلى صور وضبطها بمن فيها ، وأرسل رسله إلى الجزائر يستعدي ويستنفر. وثبت في صور وبقي كلما فتح السلطان بلدا بالأمان يسير أهلها في حفظ السلطان إلى صور ، فاجتمع إليه أهل البلاد المفتوحة بأجمعهم ، وشرع المركيس (٤) يحفر الخندق ويحكمه ، وسنذكر ما كان من أمره ، إن شاء الله تعالى.
فتح عسقلان وغزة والرملة والداروم (٥) وغيرها (٦)
وكان النزول على عسقلان يوم الأحد السادس عشر من جمادى الآخرة ، ولما فرغ السلطان من فتح بيروت وجبيل ، عاد عابرا على صيدا وصرفند ، وجاء إلى صور ولم يكترث بأمرها ، وكان قد استحضر ملك الفرنج ومقدم الداوية ، وشرط معهما ، واستوثق منهما أنه يطلقهما من الأسر إذا تمكن من بقية البلاد ، فانزعج المركيس بصور واشتد خوفه.
واجتمع السلطان بأخيه الملك العادل واتفقا على السير (٧) ، ونزل على عسقلان وحصرها (٨) ورماها بالمنجنيقات ، واشتد القتال ، وراسلهم عند ذلك الملك المأسور ، وأشار عليهم بعدم مخالفته ، وترددت الرسل. ثم أذعنوا للتسليم (٩)
__________________
(١) المركيس أ ب : المركيش ج ه ابن الأثير : ـ د.
(٢) فأخبر أ : فأخبروه ب ج ه : ـ د.
(٣) يرد أ : يردد ب ج ه : ـ د.
(٤) المركيس أ ب : المركيس ج ه : ـ د.
(٥) الداروم : قلعة بعد غزوة للقاصد من مصر الواقف فيها يرى البحر ، خربها صلاح الدين لما ملك الساحل ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٢ / ٤٢٤ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٥٠٨ ؛ شراب ٣٦٩.
(٦) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٨١ ؛ ابن أيوب ٢٧٢ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢١٠.
(٧) السير أ : المسير ب ج ه : ـ د.
(٨) وحصرها أ : وحاصرها ب ج ه : ـ د / / المنجنيقات ابن الأثير : المجانيق أ : المناجيق ب ج ه : ـ د.
(٩) للتسليم وسلموا عسقلان أ ج ه : يسلمون عسقلان ب : ـ د.