وكان الملك العادل نور الدين الشهيد قد عزم على فتح بيت المقدس ، وعمل منبرا بحلب وتعب عليه مدة وقال : هذا لأجل القدس ، فأدركته المنية ، وكان الفتح على يد من أراد الله ، فأرسل السلطان صلاح الدين من أحضر المنبر من حلب وجعله في المسجد الأقصى وهو الموجود في عصرنا هذا.
وأما الصخرة فقد كان الفرنج بنوا عليها كنيسة ومذبحا وجعلوا فيها الصور والتماثيل ، فأمر السلطان بكشفها ونقض البناء المحدث فيها ، وأعادها كما كانت ، ورتب لها إماما حسن القراءة ، ووقف عليها دارا وأرضا ، وحمل إليها وإلى محراب الأقصى مصاحف وختمات وربعات شريفة ، ورتب للصخرة وللمسجد الأقصى خدمه ، وكان الفرنج قد قطعوا من الصخرة قطعا (١) وحملوا منها إلى قسطنطينية ونقلوا منها إلى صقلية ، قيل : باعوها بوزنها ذهبا. ولما فتح السلطان القدس ، كان على رأس قبة الصخرة صليب كبير مذهب ، فتسلق المسلمون ، وقلعوه ، فسمع (٢) لذلك ضجة لم يعهد مثلها من المسلمين للفرح والسرور.
ثم شرع السلطان في العمارة ، وأمر بترخيم محراب الأقصى ، وكتب عليها بالفصوص المذهبة ما قراءته : بسم الله الرحمن الرحيم ، أمر بتجديد هذا المحراب وعمارة المسجد الأقصى الذي هو على التقوى مؤسس ، عبد الله ووليه يوسف بن أيوب أبو المظفر الملك الناصر صلاح الدنيا والدين عندما فتحه الله على يديه في شهور سنة ٥٨٣ ه (٣) ، وهو يسأل الله إيزاعه شكر هذه النعمة وإجزال حظه من المغفرة والرحمة.
وشرع ملوك بني أيوب في فعل الآثار الجميلة بالمسجد الأقصى منهم الملك العادل سيف الدين أبو بكر أخو السلطان.
وأما الملك المظفر تقي الدين بن عمر بن شاهنشاه فإنه فعل فعلا حسنا وهو : أنه حضر في قبة الصخرة (٤) مع جماعة وتولى بيده كنس أرضها ، ثم غسلها بالماء مرارا ، ثم اتبع الماء بماء الورد وطهر حيطانها وغسل جدرانها وبخرها ، ثم فرق مالا عظيما (٥) على الفقراء وكذلك الملك الأفضل نور الدين علي ، والملك العزيز
__________________
(١) قطعا ب ج ه : ـ أ د.
(٢) فسمع أ ب ج : سمع ه : ـ د.
(٣) ٥٨٣ ه / ١١٨٧ م.
(٤) قبة الصخرة أ ب ج : القبة ه : ـ د.
(٥) عظيما ب ج ه : ـ أ د.