وحمل بعضها إلى صيدا وإلى عكا (١) ، وتأخر السلطان عن قرب صور ، فشرع العسكر في الانصراف ، وأخذ (٢) في المعاودة إلى أوان الربيع ، وودع الملك المظفر تقي الدين من هناك ، وبقي السلطان يتأسف على الفتح فسار إلى عكا وخيم على بابها ، ثم اشتد البرد فدخل السلطان المدينة وسكن بها وشرع في التأهب للجهاد (٣) وإصلاح العدد ، وإكرام من يغدو إليه ، وكانت رسل الآفاق من الروم وخراسان والعراق عاكفين على بابه فما مر يوم ولا شهر إلا ويصل إليه رسول ، ورتب أحوال عكا وأمورها ، ووقف نصف دار الاسبتار رباطا (٤) للمتصوفة (٥) ونصفها مدرسة للفقهاء ، وجعل دار الأسقف بيمارستان (٦) للمرضى (٧).
ودخلت سنة ٥٨٤ ه (٨) ، والسلطان مقيم بعكا : فلما دخل فصل الربيع سار ونزل على سمت حصن كوكب (٩) في العشر الأوسط من المحرم قبل تكامل العسكر ، وحصره (١٠) فرأى أن فيه صعوبة ويطول أمره ، ثم وكل بها قايماز (١١) النجمي (١٢) في خمسمائة مقاتل ، ورتب على صفد خمسمائة فارس وجهزهم إليها.
ذكر حال الكرك من أول الفتح
قد مضى ذكر إبرنس الكرك وقتله ، وكانت زوجته ابنة فيليب صاحب الكرك مقيمة بالقدس ، وممن أسر ولدها هنفري بن هنري.
فلما فتح بيت المقدس حضرت إلى السلطان ، وتخضعت له وتذللت ، وسألت
__________________
(١) وإلى عكا أ ج د ه : وبعضها إلى عكا ب.
(٢) وأخذ أ : وواعد ب : وأوعد د ه.
(٣) للجهاد أ ج : إلى الجهاد ب د ه.
(٤) الرباط : جمع ربط ورباطات وهو في الأصل مكان إقامة الحامية المرابطة عند ثغور العدو ، ثم صار اللفظ يطلق على بيت الصوفية حيث يرابطون للزهد والعبادة ، ينظر : السهروردي ٩٩ ؛ ابن منظور ، لسان ٧ / ٣٠٣ ؛ غالب ١٩٥ ؛ عاشور ٤٤٠.
(٥) للمتصوفة أ : للصوفية ب د ه : ـ ج.
(٦) البيمارستان : مستشفى لعلاج المرضى وإقامتهم ، ينظر : عاشور ٤٦٨.
(٧) للمرضى أ ه : للضعفاء ب د : ـ ج.
(٨) ٥٨٤ ه / ١١٨٨ م.
(٩) حصن كوكب : اسم قلعة على الجبل المطل على مدينة طبرية ، حصينة رصينة ، تشرف على الأردن ، افتتحها صلاح الدين فيما افتتحه من البلدان ثم خرجت بعد ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٤ / ٤٩٤ ؛ البغدادي ، مراصد ٣ / ١١٨٨ ؛ الحميري ٥٠١ ؛ شراب ٦٣٤.
(١٠) وحصره أ د : وحاصره ب ه : ـ ج.
(١١) قايماز أ د ه : قائما ب : ـ ج.
(١٢) ينظر : أبو شامة ، الذيل ١٧.