وتعالى الله عنه علواً كبيراً ، وعبّر في الجملة الثانية بهيئة الفعل المجرد لوقوع ضرر خدعتهم علىٰ أنفسهم لا محالة.
ومنها : قوله تعالىٰ : ( إِنَّ اللهَ اشْتَرَىٰ مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ) (١) حيث ذكر تحقّق القتل الفعلي من الجانبين بعد ذكر تحقّق القتال معطوفاً عليه بالفاء ، ممّا يدل علىٰ المغايرة بينهما ، وأن معنىٰ القتال هو السعي إلىٰ القتل دون نفس القتل الذي فصله بعد ذلك.
ويلاحظ عليه :
اولاً بالنقض : فإنّ السعي إلىٰ الفعل وان كان يستفاد في بعض موارد هذا الباب كما ذكر ، إلا إنّه لا يطرد في اغلب امثلته لعدم صدقها دون تحقّق المعنىٰ فعلاً ، فلا يقال سافر أو جادل أو طالع أو سارع أو شاهد أو عاوض لمجرد محاولة السفر أو الجدل أو المطالعة أو السرعة أو الشهود أو التعويض ، وهكذا في موارد كثيرة أُخرى ، مضافاً إلىٰ انّ هناك بعض الموارد التي تقتضي معنىٰ آخر ـ غير السعي إلىٰ الفعل أوتحققه فعلاً ـ كما في باب المغالبة يقال ( كارمه فكرمه ) بمعنىٰ فاخره في الكرم فغلبه فيه و ( شاعره فشعره ) أي حاول غلبته في الشعر فغلبه ونحو ذلك.
وثانياً بالحل وهو : إنّ استفادة السعي إلى الفعل من بعض امثلة هذا الباب لا يستند إلى الهيئة بل إلى المادة ، وليس المقصود بالمادة هنا المبدأ الجليّ ـ كالغلبة في المغالبة والخدعة في المخادعة ـ لوضوح انّه لا يستبطن معنى السعي ، وإنّما المراد بها المبدأ الخفي الذي اوضحناه فكرة وتطبيقاً في مبحث المشتق ، ونكتفي هنا بذكر امرين اختصاراً لما اوردناه هناك :
__________________
(١) سورة التوبة ٩ / ١١١.