والتنقيص ، وهذا المعنى بطبعه مرغوب عنه لدى الانسان ، ولا يتحمله أحد عادة الا بتصور تسبيب شرعي اليه ، لان من طبيعة الانسان ان يدفع الضرر عن نفسه ويتجنّبه ، فيكون نفي الطبيعة في مثل هذه الملابسات يعني نفي التسبيب اليها بجعل شرعي ولمثل ذلك كان النهي عن الشيء بعد الأَمر به أو توهّم الأَمر به دالاً على عدم الأَمر به كما كان الأَمر بالشيء بعد الحظر أو توهمه معبراً عن عدم النهي فحسب كما حقق في علم الأصول ، وعلىٰ ضوء هذا كان مفاد ( لا ضرر ) طبعاً ، نفي التسبيب إلى الضرر بجعل حكم شرعي يستوجب له.
وامّا الفقرة الثانية : ـ وهي لا ضرر ـ فهي تختلف في نوع المنفي وسائر الملابسات عن الفقرة الأُولى لان الضرار مصدر يحتوي علىٰ النسبة الصدورية من الفاعل كالاضرار. وصدور هذا المعنى من الانسان أمر طبيعي موافق لقواه النفسية غضباً وشهوة. وبذلك كان نفيه خارجاً من قبل الشارع ظاهراً في التسبيب إلى عدمه والتصدي له ، ومقتضى ذلك.
أوّلاً : تحريمه تكليفاً فإن التحريم التكليفي خطوة أولى في منع تحقّق الشيء خارجاً.
وثانياً : تشريع اتخاذ وسائل إجرائية ضد تحقّق الاضرار من قبل الحاكم الشرعي ، وذلك لان مجرد التحريم القانوني ما لم يكن مدعماً بالحماية اجراءً ـ لا سيّما في مثل ( لا ضرار ) ـ لا يستوجب انتفاء الطبيعة ولا يصحح نفيها خارجاً.
واما الوجه التفصيلي : لدلالة الحديث علىٰ ذلك فتوضيحه : ان هذا الحديث يمثل نفياً لمفهومين ( هما الضرر والضرار ) ، وهذه الصيغة ـ أعني صيغة النفي ـ رغم وحدتها صورة ووحدة المراد الاستعمالي منها تحتوي علىٰ معان مختلفة بحسب اختلاف الموارد :