ولكن هذا الاتجاه ليس بصحيح عندنا وتوضيحه : ان لكل باب مورداً متيقناً له ، يكون أساساً في تحليل ذلك الباب ومأخذاً لملاكه وتحديده ، كموارد قصور القدرة اتفاقاً بالنسبة إلى باب التزاحم مثلاً ، فكل تحليل لأي باب إنما يصح ـ بعد تمامية تصوّره في حدّ نفسه ـ اذا أمكن شموله للمورد المتيقن للباب ، ولا ضير بعد ذلك لاندراج موارد أُخرى تحت الباب وعدم اندراجها ، والاّ لم يكن تحليلاً لذلك الباب وانما يكون تحديداً لظاهرة اُخرى.
وموارد التنزيل بالنسبة إلى الحكومة من هذا القبيل فانها هي القدر المتيقن لها فلا يصح أي تحليل للحكومة الاّ اذا تم اندراج موارد التنزيل فيه وليس بامكان احد أن ينكر تحقّق الحكومة في موارد نفي الحكم بنفي موضوعه من قبيل قوله ( العالم الفاسق ليس بعالم ) مثلاً.
والاتجاه المذكور غير قادر على ذلك ، لان لسان التنزيل لا يقتضي نظراً إلى دليل آخر أصلاً لا بالمطابقة ـ كما هو واضح ـ ولا بالالتزام ، لأَن دلالته عليه بالالتزام انما تتم لو كانت صحة هذا اللسان لغة أو بلاغة تقتضي نظره إلى دليل آخر ، وليس الأَمر كذلك ، فان صحة هذا اللسان لغة انما تتوقف على وجود تناسب بين المعنى الاستعمالي والمراد التفهيمي ـ كما هو شأن كل اعتبار ادبي ـ ولا تعلق لذلك بالنظر إلى دليل آخر. كما ان صحته بلاغة ـ بمعنى النكتة المصححة للعدول إلى هذا اللسان من اللسان الصريح ـ انما هي الحذر من مواجهة احساسات المخاطب ضد الكلام حيث يكون ثبوت الحكم لموضوعه بنحو عامّ مرتكزاً في ذهنه ولا أهمية لوجود دليل آخر وعدمه في ذلك. وسوف يتضح هذا من خلال التعرض للمصحح اللغوي والبلاغي لهذا اللسان ، ثم سنعود إلى بيان الموضوع بعد ذلك تفصيلاً.
الجهة الرابعة : في المصحّح اللغوي للسان التنزيل