ويلاحظ ان هذه النكتة قابلة للتطبيق في بعض موارد النكتة الأُولى : فمثلاً يمكن أن يقال في ( لا صلاة الا بطهور ) ـ وهو مما يندرج في المورد الثاني منها ـ إن مصحح النفي فاقدية الصلاة في هذه الحالة لكمال وهي الاقتران بالطهارة.
فظهر مما ذكرنا : انه لا يمكن ان يكون ادّعاء اقتضاء لسان التنزيل للنظر إلى دليل آخر مبنيّاً على اقتضاء المصحح اللغوي للتنزيل لمثل هذا المعنى ، فان المصحح للتنزيل في كل اعتبار ادبي هو التسانخ بين المراد الاستعمالي والمراد التفهيمي وليس للنظر دخلٌ في ذلك.
الجهة الخامسة : في المصحح البلاغي للسان التنزيل.
قد ذكرنا في الأَمر السابق ان البلاغة تقتضي اختيار المتكلم للاسلوب الصريح في مرحلة أداء المعنى ورفض الأَساليب الملتوية والمعقدة ، لأَن الاسلوب الصريح أسلوب طبيعي وواضح في الأداء والتفهيم ، ولذلك لا بُدّ ان يكون العدول عن هذا الاسلوب واختيار اسلوب التنزيل والكناية في موارد الحكومة مبنياً على مصحح بلاغي من مراعاة جهة تتوفر في هذا الاسلوب دون الاسلوب المباشر الصريح.
وبما ان هذا الاسلوب أسلوب أدبي ، فنشير أوّلاً إلى النكتة العامة في الاعتبارات الأَدبية ثم نتعرض لتحليل النكتة في مقامنا هذا على ضوء ذلك :
١ ـ اما النكتة العامة في الاعتبارات الأَدبية فهي التصرف بمشاعر المخاطبين وعواطفهم واحساساتهم باختيار أسهل طرق التعبير وأحسنها واوفاها ، ليصل المتكلم من خلالها إلى مقاصده بصورة لا تجرح ولا تمسّ تلك الأحاسيس والعواطف ، بل ليستفيد منها في الوصول إلى مقاصده تلك. وهذه الجهة هي فلسفة البلاغة وسرّها. ولا بدّ في ذلك من ملاحظة الحالات النفسية للمخاطبين فيما يتعلق بالموضوع بنحو عام ليتسنى التفاعل معها