اهل القانون (١).
الأَمر الثاني : في انه لو فرض وجود اطلاق لدليل سلطنة المالك بالنسبة إلى التصرفات التي يصدق عليها انها اضرار بالنسبة إلى جاره ، فهل ما يدل على حرمة الاضرار بالغير يكون مقدماً على الاطلاق المفروض ؟ لاسيما فيما إذا فرض أن من عدم التصرف المفروض يلزم ضرر على المالك ؟
__________________
(١) ففي مصادر الحق في الفقه الاسلامي للدكتور عبد الرزاق السنهوري ( ج ١ ص ٣١ تحت عنوان الملك التام ) بعد أن نقل ان المادة ١١ من مرشد الحيران عرفته على الوجه الآتي : ( الملك التام من شأنه أن يتصرف به المالك تصرفاً مطلقاً فيما يملكه عيناً ومنفعة واستغلالاً فينتفع بالعين المملوكة وبغلتها وثمارها ونتاجها ويتصرف في عينها بجميع التصرفات الجائزة ) واستنتج منه ان عناصر حق الملك في الفقه الاسلامي كما عن الفقه الغربي ثلاثة عددها ـ قال بعد ذلك : ( وليس حق المادة مطلقاً كما توهم عبارة مرشد الحيران ، بل هو حق مقيد بوجوب عدم الاضرار بالجار وقد ورد هذا القيد في نصوص مرشد الحيران ذاتها فنصّت المادة ٥٧ على ان ( للمالك ان يتصرف كيف شاء في خالص ملكه الذي ليس للغير حقّ فيه فيعلي حائطه ويبني ما يريده ما لم يكن تصرفه مضرّاً بالجار ضرراً فاحشاً ) وعرفت المادة ٥٩ الضرر الفاحش بانه ( ما يكون سبباً لوهن البناء أو هدمه أو يمنع الحوائج الأصلية أي المنافع المقصودة من البناء ، واما ما يمنع المنافع التي ليست من الحوائج الاصلية فليست بضرر فاحش ) وبيّنت المادة ٦٠ حكم الضرر الفاحش فقالت : يزال الضرر الفاحش سواء كان قديماً أو حادثاً.
وقال في الوسيط ( ج ٨ ص ٥٥٧ ) في مادة ٣٤١ تحت عنوان ( أعمال سلبية من المالك ) ، الأمثلة كثيرة على الأَعمال السلبية التي تقتضي من المالك حتى يقوم بما للملكية من وظيفة اجتماعية وذكر في عداد بعض الأَمثلة : ١ ـ يجب على المالك أن يمتنع عن استعمال ملكه بحيث يضرّ بالجار ضرراً فاحشاً واذا جاز للمالك أن يطلب من جاره ان يتحمل مضار الجوار المألوفة فليس له أن يحمله المضار غير المألوفة للجوار ، وفي هذا المعنى تقول المادّة ٨٠٧ مدني ( ١ ـ على المالك إلا يغلو في استعماله حقه إلى حدّ يضرّ بملك الجار. ٢ ـ وليس للجار ان يرجع على جاره في مضارّ الجوار المألوفة التي لا يمكن تجنبها وإنما له ان يطلب ازالة هذه المضارّ اذا تجاوزت الحد المألوف على أن يراعي في ذلك العرف وطبيعة العقارات وموقع كل منها بالنسبة إلى الآخر ، والغرض الذي خصّصت له ... الخ ما ذكره ).