الأول : إن الأَعراب لمّا كانوا ينزلون إلىٰ الماء والكلأ كانت طاثفة منهم تأتي إلىٰ الماء لحاجتها ، وطائفة تأتي إلىٰ الكلأ لحاجتها فإذا منعت الطائفة الأولىٰ من الماء امتنعت الطائفة الأُخرىٰ من الكلأ ، فكان ذلك منعاً لهم عن الكلأ أيضاً.
وهذا الاحتمال ذكره في الوافي (١) وهو بعيد أولاً لأنّ الحاجة إلىٰ الماء والكلأ مشتركة بين الجميع فلا وجه لفرض كونهم علىٰ طائفتين ، طائفة تحتاج إلىٰ الماء وطائفة تحتاج إلىٰ الكلأ.
وثانياً إنّ ظاهره أن مصب النهي هو المنع من الماء بلحاظ أنّ من عواقبه غالباً ترك الكلاء مع أن ظاهر الحديث الارتباط بين الجملتين في تعلق النهي.
الثاني : إنّ المراد أنّ أصحاب الماء لو منعوا فضل مائهم منعهم الله من الكلأ ذكره في الوافي أيضاً (٢) ، وهو بعيد كسابقه لأنّ ظاهر السياق اتحاد فاعل ( يمنع ) في الجملتين ـ أي انّ مانع الماء هو مانع الكلأ ـ ، وبما انّ ظاهر الجملة الأولىٰ انّ مانع الماء هم أصحابه فلا يناسب أن يكون مانع الكلأ هو الله تعالى.
الثالث : إنّ المراد إنّه لا يمنع قوم فضل مائهم عن الرعاة ، لأنّه مستلزم لمنعهم عن الكلأ المباح أيضاً ، فإنّ الرعاة إذا منعوا من الماء في ارض لم يأتوها للكلأ فقط ، لحاجتهم إلىٰ الماء والكلأ في وقت واحد ولا يسعهم التفكيك بينهما ، وهذا الوجه ذكره ابن حجر (٣) قائلاً ( والمعنىٰ أن يكون حول البئركلأ ليس عنده ماء غيره ، ولا يمكن أصحاب المواشي رعيه إلا إذا تمكنوا من سقي بهائمهم من تلك البئر ، لئلا يتضرروا بالعطش بعد الرعي ، فيستلزم
__________________
(١ و ٢) الوافي المجلد ٣ جزء ١٠ / ١٣٦.
(٣) فتح الباري ٥ / ٢٤ ـ ٢٥.