والمراد بالسّحر ، ما يستعان في تحصيله بالتّقرّب إلى الشّيطان ، ممّا لا يستقلّ به الإنسان. وذلك لا يستتبّ إلّا لمن يناسبه في الشّرارة وخبث النّفس. فإنّ التّناسب شرط في التّضامّ والتّعاون. وبهذا يتبيّن (١) السّاحر عن النّبيّ.
وأمّا ما يتعجّب منه كما يفعله أصحاب الحيل ، بمعونة الآلات والأدوية ، أو يريك صاحب خفّة اليه ، فليس بسحر. وتسميته سحرا ، على التّجوّز ، أو لما فيه من الدّقّة. لأنّه في الأصل لما خفي سببه.
(وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) :
عطف على السّحر. والمراد بها واحد. والعطف لتغاير الاعتبار. أو لأنّه أقوى منه.
أو على ما تتلوا.
قيل (٢) : هما ملكان أنزلا لتعليم السّحر ، ابتلاء من الله تعالى للنّاس ، وتمييزا بينه وبين المعجزة.
وقيل (٣) : رجلان سمّيا ملكين ، باعتبار صلاحهما. ويؤيّده قراءة الملكين.
(بالكسر) وما روي (٤) أنّهما مثّلا بشرين. وركّب فيهما الشّهوة. فتعرّضا لامرأة يقال لها زهرة. فحملتهما على المعاصي والشرك. ثمّ صعدت إلى السّماء بما تعلّمت منهما. فمحكيّ عن اليهود.
وقيل (٥) : «ما أنزل» نفي معطوف على «ما كفر [سليمان] (٦)» ، تكذيب لليهود في هذه القصّة.
(بِبابِلَ) : ظرف ، أو حال من الملكين ، أو من الضّمير في أنزل. والمشهور أنّه بلد من سواد كوفة.
(هارُوتَ وَمارُوتَ) : عطف بيان للملكين. وضع صرفهما ، للعجمة والعلمية.
ولو كانا من الهرت والمرت وهو الكسر ـ كما زعم بعضهم ـ لانصرفا.
ومن جعل «ما» نافية ، أبدلهما من «الشّياطين» ، بدله البعض. وما بينهما اعتراض. وقرئ بالرّفع ، على تقدير «هما هاروت وماروت».
__________________
(١) أ : تبيّن.
(٢ و ٣) أنوار التنزيل ١ / ٧٣.
(٤) عيون أخبار الرضا ١ / ٢١١ ، ح ٢+ تفسير نور الثقلين ١ / ١٩٠+ أنوار التنزيل ١ / ٧٣.
(٥) أنوار التنزيل ١ / ٧٣.
(٦) يوجد في المصدر.