مبالغة عظيمة. لأنّ المحال والمعدوم ، يقع عليهما اسم الشيء. فإذا نفي إطلاق اسم الشيء عليه ، فقد بولغ في ترك الاعتداد به ، إلى ما ليس بعده. وهذا كقولهم أقلّ من لا شيء.
(وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ) :
قال ابن عبّاس (١) : لمّا قدم وفد نجران من النّصارى على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أتتهم أحبار اليهود. فتنازعوا عند رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله. فقال رافع بن حرملة : «ما أنتم على شيء.» وجحد نبوّة عيسى. وكفر بالإنجيل. فقال رجل من أهل نجران : «ليست اليهود على شيء.» وجحد نبوّة موسى. وكفر بالتّوراة. فأنزل الله هذه الآية.
(وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ) :
الواو للحال. والكتاب للجنس ، أي : قالوا ذلك ، والحال أنّهم من أهل العلم والتّلاوة للكتب.
وحقّ من حمل التوراة ، أو الإنجيل ، أو غيرهما من كتب الله ، أو آية ، أن لا يكفر بالباقي. لأنّ كلّ واحد من الكتابين ، مصدّق للثّاني ، شاهد بصحته. وكذلك كتب الله جميعا ، متواردة في تصديق بعضها بعضا.
(كَذلِكَ) ، مثل ذلك الّذي سمعت به على ذلك المنهاج.
(قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ) ، كعبدة الأصنام والمعطّلة ، قالوا لكلّ أهل دين : «ليسوا على شيء» وهذا توبيخ عظيم لهم ، حيث نظموا أنفسهم مع علمهم ، في سلك من لا يعلم.
و (مِثْلَ قَوْلِهِمْ) ، يحتمل احتمالين : أحدهما أنّه مفعول مطلق لقال والآخر أنّه مفعوله ، يعني : أنّ قولهم ، مثل قولهم في الفساد ، ومقولهم مثل مقولهم في الدّلالة على أنّ ما عدا دينهم ، ليس بشيء.
فان قيل : لم وبّخهم؟ وقد صدقوا فإنّ كلا الدّينين بعد النّسخ ليس بشيء.
قلت : لم يصدقوا ذلك. وإنّما قصد كل فريق ، إبطال دين الآخر ، من أصله والكفر بنبيّه وكتابه ، مع أن ما لم ينسخ منهما ، حقّ واجب القبول والعمل به ، مع الإيمان بالنّاسخ.
(فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) : بين الفريقين ،
__________________
(١) مجمع البيان ١ / ١٨٨.