فالبداء في الحقيقة في علم الملك أو النّبيّ أو الإمام ، بمعنى الظّهور ، لأحدهم ، غير ما ظهر لهم أوّلا ، لا في علمه تعالى بذلك المعنى. وهو المراد حيث أثبت له البداء ـ تعالى الله عمّا يقول الظّالمون.
يؤيّد هذا المعنى مارواه محمّد بن يعقوب (١) ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حمّاد بن عيسى ، عن ربعي بن عبد الله ، عن الفضيل بن يسار. قال : سمعت أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول : العلم علمان : فعلم عند الله مخزون. لم يطّلع عليه أحد من خلقه. وعلم علّمه ملائكته ورسله. فما علّمه ملائكته ورسله ، فإنّه سيكون لا يكذّب نفسه ولا ملائكته ولا رسله. وعلم عنده مخزون ، يقدّم منه ما يشاء ويثبت ما يشاء.
وأيضا ، قد روى عن الصّادق ـ عليه السّلام (٢) ـ أنّه قال : إنّ لله علمين : علم مكنون مخزون لا يعلمه إلّا هو. من ذلك يكون البداء وعلم علّمه ملائكته ورسله وأنبياءه فنحن نعلمه.
(وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً) ، أي : مثل ذلك الجعل العجيب ، جعلناكم أمّة.
وروى الصّدوق ، يعني : أئمّة (٣).
(وَسَطاً) ، أي : خيارا.
وقيل (٤). للخيار وسط. لأنّ الاطراف يتسارع إليها الخلل.
وقال الصّدوق (٥) : أي : عدلا وواسطة بين الرّسول والنّاس.
(لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) ، يعني : يوم القيامة.
(وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) :
روى في التفاسير (٦) : أنّ الأمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء. فيطالب الله الأنبياء بالبيّنة على أنّهم قد بلغوا وهو أعلم. فيؤتى بأمّة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله.
فيشهدون. فتقول الأمم : من أين عرفتم؟
فيقول علمنا ذلك بإخبار الله ، في كتابه النّاطق ، على لسان نبيّه الصّادق.
__________________
(١) الكافي ١ / ١٤٧ ، ح ٦.
(٢) نفس المصدر ونفس الموضع ، ح ٨.
(٣) بل القمي في تفسيره ١ / ٦٣.
(٤) الكشاف ١ / ١٩٨.
(٥) بل القمي في تفسيره ١ / ٦٣.
(٦) ر. تفسير القمي ١ / ١٩١+ الكشاف ١ / ١٩٩+ نور الثقلين ١ / ٤٨٢.