وفي غيره.
(فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) :
تخصيص الخطاب بالنّبيّ ، أوّلا ، وتعميمه ، ثانيا ، لتعظيمه ـ عليه السّلام ـ والتّصريح بعموم الحكم.
وفيه تأكيد لأمر القبلة ، وتخصيص للامة على المتابعة ، وسلوك طريق الاستدراج ، رفق بالمأمورين.
[وفي الكافي (١) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر (ع) قال : إذا استقبلت القبلة بوجهك ، فلا تقلّب وجهك عن القبلة ، فتفسد صلاتك. فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قال لنبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ في الفريضة : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ. وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ).
وفي من لا يحضره الفقيه (٢) : وصلّى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى البيت المقدّس ، بعد النّبوّة ، ثلاث عشرة سنة بمكّة وتسعة عشر شهرا بالمدينة. ثمّ عيّرته اليهود.
فقالوا له : إنّك مانع لقبلتنا.
فاغتم لذلك غمّا شديدا. فلمّا كان في بعض اللّيل ، يخرج ـ عليه السّلام ـ يقلّب وجهه في آفاق السّماء. فلمّا أصبح صلّى الغداة. فلمّا صلّى من الظّهر ، ركعتين ، جاء جبرئيل ـ عليه السّلام ـ فقال له : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ. فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها. فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ). (الآية) ثمّ أخذ بيد النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فحوّل وجهه إلى الكعبة. وحوّل من خلفه وجوههم ، حتّى قام الرّجال مقام النّساء والنّساء مقام الرّجال. فكان آخر صلاته إلى بيت المقدس (٣). وبلغ الخبر مسجدا بالمدينة ، وقد صلّى أهله من العصر ، ركعتين. فحوّلوا نحو القبلة. فكانت آخر صلاتهم إلى بيت المقدس وأوّلها إلى الكعبة (٤). فسمّي ذلك المسجد مسجد القبلتين.
فقال المسلمون : صلاتنا إلى بيت المقدس تضيع ، يا رسول الله؟
فأنزل الله ـ عزّ وجلّ : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) ، يعني : صلاتكم إلى
__________________
(١) الكافي ٣ / ٣٠٠ ، ح ٦.
(٢) من لا يحضره الفقيه ١ / ١٧٨ ، ح ٨٤٣.
(٣) المصدر : فكان أول صلاته إلى بيت المقدس وآخرها إلى الكعبة.
(٤) المصدر : فكانت أوّل صلاتهم إلى بيت المقدس وآخرها إلى الكعبة.