تكرير هذا الحكم ، لتعدّد علله. فإنّه ذكر للتّحويل ، ثلاث علل : تعظيم الرّسول بابتغاء مرضاته ، وجري العادة الإلهيّة على أن يولّي كلّ صاحب دعوة جهة يستقبلها ، ودفع حجج المخالفين. وقرن بكلّ علّة معلولها. كما يقرن المدلول بكلّ واحد من دلائله ، تقريرا وللتّأكيد. لأنّ القبلة لها شأن. والنسخ من مظانّ الفتنة.
(لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) : علّة لولّوا.
والمعنى : أنّ التّولية عن الصّخرة إلى الكعبة ، تدفع احتجاج اليهود بأنّ المنعوت في التوراة ، قبلة الكعبة والمشركين بأنّه يدّعي ملّة إبراهيم ويخالف قبلته.
(إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا) : استثناء من «النّاس» ، أي : لا يكون لأحد حجّة إلّا للمعاندين.
(مِنْهُمْ) : فإنّهم يقولون : ما تحوّل إلى الكعبة إلّا ميلا إلى دين قومه وحبّا لبلده.
وبدا له. فرجع إلى قبلة آبائه. ويوشك إلى دينهم أن يرجع. وسمّى هذه حجّة. لأنّهم يسوقونها مساقها. كقوله تعالى (١) : (حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ).
قيل (٢) : الحجّة بمعنى الاحتجاج.
وقيل (٣) : الاستثناء للمبالغة في نفي الحجّة ، رأسا ، كقوله :
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفيهم |
|
بهنّ فلول من قراع الكتائب |
للعلم بأنّ الظالم لا حجّة له. وقرئ (٤) : «ألا الّذين ظلموا منهم» ، على أنّه استيناف بحرف التّنبيه.
(فَلا تَخْشَوْهُمْ) فإنّ مطاعنهم لا تضرّكم.
(وَاخْشَوْنِي) : ولا تخالفوني في ما أمرتكم به.
(وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (١٥٠) :
إمّا علّة لمحذوف ، أي : أمرتكم لإتمام نعمتي عليكم وإرادتي اهتداءكم ، أو معطوف على علّة مقدّرة ، أي : اخشوني لأحفظكم عنهم ولأتمّ نعمتي عليكم ، أو على لئلّا يكون.
(كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ)
__________________
(١) الشورى / ١٦.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٩٠.
(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.
(٤) نفس المصدر ونفس الموضع.