كمثل بهائم الّذي ينعق.
والمعنى : أنّ مثل الّذين كفروا في دعائك إيّاهم ، أي : مثل الدّاعي لهم إلى الإيمان ، كمثل النّاعق في دعائه المنعوق به من البهائم الّتي لا تفهم. وإنّما تسمع الصّوت.
وكما أنّ الأنعام لا يحصل لها من دعاء الدّاعي إلّا السّماع دون تفهّم المعنى ، فكذلك الكفّار لا يحصل لهم من دعائك إيّاهم إلى الإيمان إلّا السّماع دون تفهّم المعنى. لأنّهم يعرضون عن قبول قولك. وينصرفون عن تأمّله. فيكونون بمنزلة من لم يعقله ولم يفهمه. وهذا كما تقول العرب فلان يخافك كخوف الأسد ، والمعنى كخوفه من الأسد. وأضاف الخوف إلى الأسد ، وهو في المعنى مضاف إلى الرّجل.
قال (١) :
فلست مسلّما ما دمت حيّا |
|
على زيد بتسليم الأمير |
يراد بتسليمي على الأمير.
قيل (٢) : هو تمثيلهم في اتّباع آبائهم على ظاهر حالهم جاهلين بحقيقتها بالبهائم التي تسمع الصّوت ولا تفهم ما تحته ، أو تمثيلهم في دعائهم الأصنام بالنّاعق في نعقه وهو التّصويت على البهائم.
والأوّل ـ هو المرويّ عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ على ما في مجمع البيان (٣).
(صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) : رفع على الذّمّ.
(فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (١٧١) ، أي : بالفعل للإخلال بالنّظر.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) لمّا وسع الأمر على النّاس كافّة وأباح لهم ما في الأرض ، سوى ما حرّم عليهم أمير المؤمنين منهم أن يتحرّوا طيّبات ما رزقوا ويقوموا بحقوقها. فقال :(وَاشْكُرُوا لِلَّهِ) على ما رزقكم وحلّل (٤) لكم ، (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (١٧٢) ، إن صحّ أنّكم تخصّونه بالعبادة وتقرّون أنّه مولى النّعم. فإنّ عبادته لا تتمّ إلّا بالشّكر. فالمعلّق بفعل العبادة ، هو الأمر بالشّكر ، لإتمامه. وهو عدم عند عدمه.
__________________
(١) مجمع البيان ١ / ٢٥٥.
(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.
(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.
(٤) أ : أحلّ.