ونفسه هو. قدرة نافذة. فليس يحتاج إلى أن يسمّى نفسه. ولكنّه اختار لنفسه اسما لغيره يدعوه بها. لأنّه إذا لم يدع باسمه ، لم يعرف. فأوّل ما اختار لنفسه (الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ). لأنّه أعلى الأشياء كلّها. فمعناه ، الله. واسمه العليّ العظيم. هو أوّل أسمائه. لأنّه علا كلّ شيء.
واعلم! أنّ المشهور أنّ آية الكرسيّ هي هذه. وما رواه في أصول الكافي (١) ، مثله ، وفي روضة الكافي (٢) ، عن محمّد بن خالد ، عن حمزة بن عبيد (٣) ، عن إسماعيل بن عباد ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ) وآخرها : (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) ، والحمد لله ربّ العالمين ، وآيتين بعدها ، بظاهره يدلّ عليه. لأنّ الظّاهر رجوع الضّمير في آخرها ، إلى آية الكرسيّ.
وروى عليّ بن إبراهيم (٤) ، عن أبيه ، عن الحسين بن خالد : أنّه قرأ عليّ بن موسى ـ صلوات الله عليهما ـ على التّنزيل : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ. لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ. لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) (وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى. عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ. هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ). (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ. يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ. وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ. وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ).
وذكر محمّد بن يعقوب الكلينيّ ـ رضي الله عنه (٥) ـ بإسناده أنّه يقرأ بعدها : «والحمد لله ربّ العالمين.» وفي الرّواية الأولى : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ. قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ. فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ ، فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى. لَا انْفِصامَ لَها. وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) هم الظّالمون لآل محمّد (يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ. أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ). والحمد لله ربّ العالمين. كذا نزلت.
(لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ). إذ الإكراه إلزام الغير فعلا لا يرى فيه خيرا. ولكن : (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ) : تميّز كلّ ما هو رشد ، عن كلّ ما هو غيّ ، إذ يجب
__________________
(١) الكافي ١ / ١١٣ ، ح ٢.
(٢) نفس المصدر ٨ / ٢٩٠ ، ح ٤٣٨.
(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : حميد.
(٤) تفسير القمي ١ / ٨٤.
(٥) الكافي ٨ / ٢٩٠ ، ح ٤٣٨+ تفسير القمي ١ / ٨٤ ـ ٨٥ ، مع بعض الاختلاف.