وإفرادهم بالذّكر ، للمبالغة. فإنّ حرصهم شديد إذ لم يعرفوا إلّا الحياة العاجلة ، والزّيادة في التّوبيخ والتّقريع. فإنّه لمّا زاد حرصهم وهو مقرون بالجزاء على حرص المنكرين ، دلّ ذلك على علمهم بأنّهم صائرون إلى النّار.
ويجوز أن يراد : وأحرص من الّذين أشركوا. فحذف ، لدلالة الأوّل عليه. وأن يكون خبر مبتدأ محذوف صفته.
(يَوَدُّ أَحَدُهُمْ) على أنّه أريد بالّذين أشركوا اليهود. لأنّهم قالوا : عزير بن الله ، أي : ومنهم ناس يودّ أحدهم. وهو على الأوّلين ، بيان لزيادة حرصهم على طريق الاستئناف.
(لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) :
حكاية لودادتهم.
و «لو» بمعنى ليت. وكأنّ أصله «لو عمّر». فأجرى على الغيبة ، لقوله تعالى «يود» ، كقولك : حلف بالله ، ليفعلنّ.
(وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ) :
الضّمير لأحدهم.
و «أن يعمّر» ، فاعل «مزحزحه» ، وما أحدهم ممّن يزحزحه من النّار تعميره ، أو لما دلّ عليه يعمّر. و «أن يعمّر» بدل ، أو مبهم. و «أن يعمّر» ، موضّحه.
وأصل «سنة» سنوة. لقولهم : سنوات. وقيل : سنهة ، كجبهة. لقولهم : سانهة وتسنّهت النّحل ، إذا أتت عليها السّنوات.
و «الزّحزحة» : التّبعيد.
(وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) (٩٦) ، فيجازيهم.
وفي هذه الآية ، دلالة على أنّ الحرص على طول البقاء ، لطلب الدّنيا ونحوه ، مذموم. وإنّما المحمود ، طلب البقاء للازدياد في الطّاعة ، وتلافي الفائت بالتّوبة والإنابة ، ودرك السّعادة بالإخلاص في العبادة. وإلى هذا المعنى
أشار أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ (١) في قوله : بقيّة عمر المؤمن ، لا قيمة له. يدرك بها ما فات. ويحيي بها ما أمات.
__________________
(١) مجمع البيان ١ / ١٦٦.