(فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (٦٤) ، أي : لزمتكم الحجّة ، فوجب عليكم أن تعترفوا وتسلّموا بأنّا مسلمون دونكم ، كما يقول الغالب للمغلوب ـ في جدل وصراع أو غيرهما ـ : اعترف بأنّي أنا الغالب وسلّم لي الغلبة.
ويجوز أن يكون من باب التّعريض ، ومعناه : اشهدوا واعترفوا بأنّكم كافرون ، حيث تولّيتم عن الحقّ بعد ظهوره.
(يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ) : ويدّعي كلّ فريق أنّ إبراهيم كان على دينهم ، اليهود تدّعي يهوديّته ، والنّصارى نصرانيّته (وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ) : الّتي ثبت بها اليهوديّة ، (وَالْإِنْجِيلُ) : الّذي ثبت به النّصرانيّة ، (إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ) ، أي : بعد إبراهيم ، أنزلت التّوراة بعده بألف سنة ، والإنجيل بألفي سنة ، فكيف يكون إبراهيم على دين لم يحدث إلّا بعده بأزمنة متطاولة؟! (أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٦٥) : حتّى لا تجادلوا مثل هذا الجدال المحال. هكذا قاله المفسّرون ، وفي ما قالوه إشكال من وجهين : الأوّل : أنّه يمكن أن يقال (١) من قبل (٢) اليهود والنّصارى : إنّ كون إبراهيم منهم ، لا يتوقّف على نزول التّوراة والإنجيل في زمانه ، لإمكان إيحاء اليهوديّة أو النّصرانيّة إليه ، ثمّ إنزال التّوراة والإنجيل على طبق ما أوحي إليه سابقا.
الثّاني : أنّه قد تواتر أنّ ابراهيم ـ عليه السّلام ـ كان مسلما ـ وقد دلّ عليه الآية ـ وشيعة ، مع أنّ الإسلام والتّشيّع إنّما ثبت بالقرآن الّذي نزل (٣) بعده ، فما هو جوابكم فهو جوابهم.
والأظهر أنّ مضمون الآية ـ والله أعلم ـ أنّ كلّا من اليهود والنّصارى ، يدّعي أنّ إبراهيم كان على الدّين الّذي هم (٤) عليه الآن ، من اليهوديّة (٥) الّتي حدثت بعد التّوراة ، والنّصرانيّة الّتي حدثت بعد الإنجيل بالتّحريف والتّبديل ، فقال الله ـ تعالى ـ : (لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ) ، وتدّعون أنّه كان على ما أنتم عليه الآن ، وهو حدث بتحريفكم بعد إنزال التّوراة والإنجيل [بعد إبراهيم بمدد متطاولة ، وما كان له أصل من الله ، حتّى يحتمل
__________________
(١) ر : يؤمن.
(٢) أ : قبيل.
(٣ و ٤) ليس في أ.
(٥) ر : اليهوذا.