ويجوز أن يكون (قَوْماً كَفَرُوا) على عمومه لقسمي الرّجال ، فيكون الاستثناء منقطعا (١) متّصلا. و «شهدوا» عطف على ما في إيمانهم من معنى الفعل ، أي : آمنوا وشهدوا. أو حال بإضمار «قد» من فاعل «كفروا».
قال البيضاويّ (٢) : وهو على الوجهين ، دليل على أنّ الإقرار باللّسان خارج عن حقيقة الإيمان.
وفيه : أنّه يحتمل أن يكون في العطف أو جعله قيدا ، لكونه أهمّ أجزاء الإيمان ، وأنفع في ترتّب الآثار عليه.
(وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٨٦) : الّذين وضعوا الكفر موضع الإيمان ، بعد أن جاءهم البيّنات. ووضع المظهر موضع المضمر للإشعار بالعلّيّة.
وقيل (٣) : الّذين ظلموا أنفسهم ، بالإخلال بالنّظر ووضع الكفر موضع الإيمان ، فكيف من جاءه (٤) الحقّ وعرفه ثمّ أعرض عنه؟
(أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (٨٧) : فيه تصريح بوجوب لعن من كفر بعد الإيمان ، والعلم بحقيّة (٥) الرّسول ومجيء البيّنات ، لأنّه تعالى قال : جزاؤهم هو لعن الله والملائكة والنّاس. وإذا كان جزاؤهم ذلك ، وأخبر الله بأنّ جزاءهم من الملائكة والنّاس ذلك ، لم يجز للملائكة والنّاس ترك ما جعله الله جزاء شيء ، بل يجب عليهم الإتيان به. فهذا وإن لم يكن في صورة الأمر ، لكن يفيد بمادّته الوجوب.
(خالِدِينَ فِيها) ، أي : في اللّعنة.
(لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) (٨٨) (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) ، أي : بعد الارتداد ، (وَأَصْلَحُوا) : ما أفسدوا ، أو دخلوا في الصّلاح ، (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ) : يقبل توبته ، (رَحِيمٌ) (٨٩) : يتفضّل عليه.
وفي مجمع البيان (٦) قيل : نزلت الآيات في رجل من الأنصار ، يقال له : الحارث بن
__________________
(١) ليس في أور.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٧٠.
(٣) نفس المصدر والموضع.
(٤) المصدر : جاء
(٥) ر : بحقيقة.
(٦) مجمع البيان ١ / ٤٧١.