(وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ) (٩٨) : والحال أنّه شهيد مطّلع على أعمالكم واعتقاداتكم ، فيجازيكم عليها ، لا ينفعكم التّحريف والاستسرار.
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ) : تكرير الخطاب والاستفهام لزيادة التّقريع ونفي العذر لهم ، وللإشعار بأنّ كلّ واحد من الأمرين مستقبح في نفسه ، مستقلّ باستجلاب العذاب.
وسبيله ، دينه الحقّ. المأمور بسلوكه ، وهو الإسلام المرادف للإيمان.
قيل (١) : كانوا يفتنون المؤمنين ويحرشون بينهم ، حتّى أتوا الأوس والخزرج ، فذكّروهم ما بينهم في الجاهليّة من التّعادي والتّحارب ، ليعودوا لمثله ، ويحتالون لصدّهم عنه.
(تَبْغُونَها عِوَجاً) : حال من الواو ، واللّام في المفعول الأوّل محذوف ، أي : طالبين لسبيل الله اعوجاجا.
أو «عوجا» تمييز من النّسبّة إلى المفعول ، أي : طالبين عوجها ، بأن تلبسوا على النّاس ، وتوهّموا أنّ فيه عوجا عن الحقّ ، بمنع النّسخ وتغيير صفة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ونحوهما. أو بأن تحرشوا بين المؤمنين لتختلف كلمتهم ، ويختلّ أمر دينهم.
(وَأَنْتُمْ شُهَداءُ) : أنّها سبيل الله ، والصّدّ عنها ضلال وإضلال ، وأنتم عدول عند أهل ملّتكم ، يثقون بأقوالكم ويستشهدونكم في القضايا.
(وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (٩٩) : وعيد لهم. ولمّا كان المنكر في الآية الأولى كفرهم وهم يجهرون به ، ختمها بقوله : (وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ). وفي هذه الآية صدّهم المؤمنين عن الإسلام ، وكانوا يخفونه ويحتالون فيه ، قال : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ) (١٠٠)
قيل (٢) : نزلت في نفر من الأوس والخزرج كانوا جلوسا يتحدّثون ، فمرّ بهم شاس بن قيس اليهوديّ ، فغاظه تآلفهم واجتماعهم ، فأمر شابّا من اليهود أن يجلس إليهم ، ويذكّرهم يوم بغاث (٣) ، وينشدهم بعض ما قيل فيه ، وكان الظّفر في ذلك اليوم للأوس ، ففعل ،
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ١٧٤.
(٢) نفس المصدر والموضع.
(٣) المصدر : بعاث.