فتنازع القوم وتفاخروا وتغاضبوا وقالوا : السّلاح السّلاح ، واجتمع من القبيلتين خلق عظيم ، فتوجّه إليهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأصحابه. فقال : أتدعون الجاهليّة وأنا بين أظهركم ، بعد إذ أكرمكم (١) الله بالإسلام ، وقطع به عنكم أمر الجاهليّة ، وألّف بين قلوبكم. فعلموا أنّها نزعة من الشّيطان وكيد من عدوّهم ، فألقوا السّلاح واستغفروا وعانق بعضهم بعضا ، وانصرفوا مع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.
وإنّما خاطبهم الله تعالى بنفسه بعد ما أمر الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ بأن يخاطب أهل الكتاب ، إظهارا لجلالة قدرهم ، وإشعارا بأنّهم هم الأحقّاء بأن يخاطبهم تعالى ويكلّمهم.
(وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ) : إنكار وتعجيب لكفرهم ، في حال اجتمع لهم الأسباب الدّاعية إلى الإيمان ، الصّادفة عن الكفر.
(وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ) : ومن يستمسك بدينه ، أو يلتجئ إليه في مجامع أموره.
في كتاب الخصال (٢) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : قال إبليس : خمسة أشياء ليس لي فيهنّ حيلة وسائر النّاس في قبضتي [..]. ومن اعتصم بالله عن نيّة صادقة ، واتّكل عليه في جميع أموره كلّها ...
(الحديث) (فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (١٠١) : فقد اهتدى لا محالة.
وفي كتاب معاني الأخبار (٣) : بإسناده إلى حسين الأشقر قال : قلت لهشام بن الحكم : ما معنى قولكم : إنّ الإمام لا يكون الّا معصوما؟
فقال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن ذلك.
فقال : المعصوم ، هو الممتنع بالله من جميع محارم الله ، وقال الله ـ تبارك وتعالى ـ : (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٤).
وفي أصول الكافي (٥) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن
__________________
(١) المصدر : أن أكرمكم.
(٢) الخصال / ٢٨٥ ، ٣٧. وللحديث ذيل.
(٣) معاني الأخبار / ١٣٢ ، ح ٢.
(٤) في هامش الأصل : الامام يجب أن يكون معصوما في جميع أقواله وأفعاله من أوّل العمر إلى آخره. لأنّه مخبر من الله ورسوله ، فان كان غير معصوم سقط اعتباره من القلوب ولا يعتمد على قوله. (منه)
(٥) الكافي ٢ / ٦٥ ، ح ٤.