(وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ) ، كانوا ، (أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (١١٧) ، أي : ما ظلم المنفقين بضياع نفقاتهم ، ولكنّهم ظلموا [أنفسهم لمّا لم ينفقوها بحيث يعتدّ بها. أو ما ظلم أصحاب الحرث بإهلاكه ، ولكنّهم ظلموا] (١) أنفسهم بارتكاب ما استحقّوا به العقوبة. أو ما ظلم المنفقين وأصحاب الحرث كليهما ، ولكنّهم ظلموا أنفسهم.
وقرئ : ولكنّ ، أي : ولكنّ أنفسهم يظلمونها. ولا يجوز أن يقدّر ضمير الشّأن ، لأنّه لا يحذف إلّا في الشّعر ، كقوله :
ولكنّ من يبصر جفونك يعشق (٢)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً) : وليجة ، وهو الّذي يعرّفه الرّجل أسراره ثقة به. شبّه ببطانة الثّوب ، كما شبّه بالشّعار في قوله ـ عليه السّلام ـ : الأنصار والنّاس دثار.
(مِنْ دُونِكُمْ) : من دون المسلمين. وهو متعلّق «بلا تتّخذوا» أو بمحذوف هو صفة بطانة : أي : بطانة كائنة من دونكم. أو حالا عن بطانة إن جوّز تنكير ذي الحال.
(لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً) ، أي : لا يقصّرون لكم في الفساد.
والألو ، التّقصير. وأصله أن يعدّى بالحرف ، ثمّ عدّي إلى مفعولين ، كقوله : لا آلوك نصحا. على تضمين معنى المنع ، أو النّقص.
(وَدُّوا ما عَنِتُّمْ) : تمنّوا عنتكم ، وهو شدّة الضّرّ والمشقّة. و «ما» مصدريّة.
(قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) ، أي : في كلامهم ، لأنّهم لا يتمالكون أنفسهم لفرط بعضهم.
(وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) مما بدا لأنّ بدوه ليس عن رؤية واختيار (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ) الدّالّة على وجوب الإخلاص وهو موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين.
(إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (١١٨) : ما بيّن لكم ، أو كنتم من أهل العقل والفهم.
والجمل الأربع مستأنفات على التّعليل ، ويجوز أن يكون الثّلاث الأوّل صفات «لبطانة». وحينئذ فالأنسب أن تكون الرّابعة حالا من الضّمير المضاف إليه «للأفواه (٣)».
__________________
(١) ما بين المعقوفتين فقط في أ.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ١٧٨.
(٣) كذا في النسخ ولعلّ الصواب : لأفواه.