جلّ ـ (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) يقول : لم يقيموا على الزّنا ونبش القبور وأخذ الأكفان. (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ).
فلمّا نزلت هذه الآية على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ خرج ، وهو يتلوها ويتبسّم (١) ، فقال لأصحابه : من يدلّني على ذلك الشّابّ التّائب؟
فقال معاذ : يا رسول الله ، بلغنا أنّه في موضع كذا وكذا.
فمضى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بأصحابه (٢) حتّى انتهوا إلى ذلك الجبل ، فصعدوا إليه يطلبون الشّابّ ، فإذا هم بالشّابّ قائم بين صخرتين مغلولة يداه إلى عنقه ، قد اسودّ وجهه وتساقطت أشفار عينيه من البكاء ، وهو يقول : سيّدي قد أحسنت خلقي وأحسنت صورتي ، فليت شعري ما ذا تريد بي ، أفي النّار تحرقني أو في جوارك تسكنني؟
اللهمّ ، إنّك قد أكثرت الإحسان إليّ فأنعمت عليّ ، فليت شعري ما ذا يكون آخر أمري ، إلى الجنّة تزفّني أم إلى النّار تسوقني؟ اللهمّ ، إنّ خطيئتي أعظم من السّموات والأرض ومن كرسيّك الواسع وعرشك العظيم ، فليت شعري تغفر خطيئتي أم تفضحني بها يوم القيامة؟
فلم يزل يقول نحو هذا وهو يبكي ويحثوا التّراب على رأسه ، وقد أحاطت به السّباع ، وصفّت فوقه الطّير ، وهم يبكون لبكائه.
فدنا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فأطلق يديه من عنقه ، ونفض التّراب عن رأسه ، وقال : يا بهلول ، أبشر فإنّك عتيق الله من النّار.
ثمّ قال ـ صلّى الله عليه وآله ـ لأصحابه : هكذا تداركوا الذّنوب كما تداركها بهلول (٣) ، ثمّ تلا عليه ما أنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ فيه وبشّره بالجنّة.
(قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ) : وقائع ، سنّها الله في الأمم المكذّبة.
وقيل (٤) : أمم. قال :
ما عاين الناس من فضل كفضلكم |
|
ولا أرى مثله في سالف السنن |
__________________
(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : هو يتبسّم.
(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : وأصحابه.
(٣) يوجد في المصدر بعد هذه العبارة : «أبشر فانّك عتيق الله من النار» وقد سبق مجيئها. فلا داعى لها.
(٤) أنوار التنزيل ١ / ١٨٣.