(ذلِكَ) : إشارة إلى العذاب ، (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) : من قتل الأنبياء ، وقولهم هذا ، وسائر معاصيهم. عبّر بالأيدي عن الأنفس ، لأنّ أكثر أعمالها بهنّ.
(وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (١٨٢) : عطف على «ما قدّمت» وسببيّته للعذاب ، من حيث أنّ نفي الظّلم يستلزم العدل المقتضي إثابة المحسن ، ومعاقبة المسيء.
وفي نهج البلاغة (١) : قال ـ عليه السّلام ـ : وأيم الله ما كان قوم قطّ في غضّ نعمة من عيش فزال عنهم ، إلّا بذنوب اجترحوها ، لأنّ الله ليس بظلّام للعبيد.
وفيه إشكال مشهور ، وهو أنّ نفي الظّلام عن الله تعالى لا يستلزم نفي كونه ظالما ، بل يشعر بكونه كذلك ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
والجواب ، أنّ جواز اتّصافه تعالى بكلّ صفة يستلزم اتّصافه بها على الكمال ، خصوصا صفة الظّلم ، فإنّه لو اتّصف بها اتّصف بما هو في الرّتبة الأعلى منها ، لكمال قدرته وعدم المانع ، فللإشعار بهذا المعنى أورد «الظّلام» مكان «الظالم» والمراد نفى الظّلم مطلقا ، فتأمّل.
(الَّذِينَ قالُوا) : هم كعب بن الأشرف ، ومالك ، وحييّ ، وفنحاص ، ووهب بن يهوذا. (إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا) : أمرنا في التّوراة ، وأوصانا.
(أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ) : بأن لا نؤمن لرسول حتّى يأتينا بهذه المعجزة الخاصّة ، الّتي كانت لأنبياء بني إسرائيل ، وهو أن يقرّب بقربان فيقوم النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فيدعو فتنزل نار سماويّة ، أي : تجلبه إلى طبعها بالإحراق.
وهذا من مفترياتهم وأباطيلهم ، لأنّ أكل النّار القربان لا يوجب الإيمان إلّا لكونه معجزة ، فهو وسائر المعجزات شرع في ذلك.
(قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١٨٣) : تكذيب وإلزام ، بأنّ رسلا قد جاؤوهم قبله ، كزكريّاء ويحيى ، بمعجزات أخر موجبة للتّصديق وبما اقترحوه فقتلوهم ، ولو كان الموجب للتّصديق هو الإتيان ، وكان توقّفهم وامتناعهم عن الإيمان لأجله ، فما لهم لم يؤمنوا بمن جاء به في معجزات أخر ، واجترءوا عليه؟
__________________
(١) نهج البلاغة / ٢٥٧ ، ضمن خطبة ١٧٨.