(وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً) (٣٨) : تنبيه ، على أنّ الشّيطان قرينهم فحملهم على ذلك وزيّنه لهم ، كقوله : (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) والمراد إبليس وأعوانه. ويجوز أن يكون وعيدا لهم ، بأن يقرن بهم الشّيطان في النّار.
(وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ) ، أي : أيّ تبعة تحيق بهم بالإيمان والإنفاق في سبيل الله.
وهو توبيخ لهم على الجهل بمكان المنفعة والاعتقاد في الشيء على خلاف ما هو عليه ، وتحريض على الفكر لطلب الجواب لعلّه يؤدّي بهم إلى العلم بما فيه من الفوائد الجليلة والفوائد الجميلة ، وتنبيه على أنّ المدعوّ إلى أمر لا ضرر فيه ينبغي أن يجيب إليه احتياطا فكيف إذا تضمّن المنافع.
وإنّما قدّم الإيمان هاهنا وأخّره في الآية السّابقة ، لأنّ القصد بذكره إلى التّخصيص هنا والتّعليل ثمّة. أو لأنّ المقصود في السّابق ذمّهم وفي تأخير عدم الإيمان سلوك مسلك التّرقّي ، والمقصود هاهنا إزالة الأوصاف الذّميمة ، وإزالة الكفر يستحقّ التّقديم ، لأنّ إزالة الإنفاق رئاء موقوفة على إزالته ، ولأنّ إزالة الأقبح أهمّ.
(وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً) (٣٩) : وعيد لهم.
(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) : لا ينقص من الأجر ولا يزيد في العقاب أصغر شيء ، كالذّرّة ، وهي النّملة الصّغيرة. ويقال لكلّ جزء من أجزاء الهباء.
والمثقال ، مفعال ، من الثّقل. وفي ذكره إيماء ، إلى أنّه وإن صغر قدره عظم جزاؤه ، حيث أثبت للذّرّة ثقلا. وإيماء ، إلى أنّ وضع الشيء في غير محلّه وإن كان حقيرا فهو عظيم ثقيل في القبح.
(وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً) : وإن يك مثقال الذّرة حسنة. وأنّث الضّمير لتأنيث الخبر ، أو لإضافة المثقال إلى المؤنّث. وحذف النّون من غير قياس ، تشبيها بحروف العلّة.
وقرأ ابن كثير ونافع : «حسنة» بالرّفع ، على «كان» التّامّة (١).
(يُضاعِفْها) ، أي : ثوابها ، أو الحسنة نفسها ، بناء على تجسّم الأعمال.
وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب : «يضعفها» وكلاهما بمعنى (٢).
(وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ) : ويؤت صاحبها من عنده ، على سبيل التّفضّل زيادة على
__________________
(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ٢٢٠.