قوله : «ويقولون» بيانا للتّفريق ، ليناسبه قوله : (وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) (١٥٠) : طريقا وسطا بين الإيمان والكفر ولا واسطة. إذ الحقّ لا يختلف. فإنّ الإيمان بالله إنّما يتمّ بالإيمان برسله وتصديقهم فيما بلّغوا عنه تفصيلا وإجمالا. فالكافر ببعض ذلك كالكافر بالكلّ في الضّلال ، كما قال : (أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) ، أي : الكاملون في الكفر ، لا عبرة بإيمانهم هذا.
(حَقًّا) : مصدر مؤكّد لغيره. أو صفة لمصدر «الكافرين» ، يعني : هم الّذين كفروا كفرا حقّا ، أي : يقينا محقّقا.
(وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) (١٥١) : يهينهم ويذلّهم.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : قال : هم الّذين أقرّوا برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأنكروا أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ.
ومعناه : أنّ ذلك كفر ببعض الرّسل (٢) ، أي : بما جاء به من ولاية أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ. وكذلك الّذين أقرّوا برسول الله وأمير المؤمنين ، وأنكروا ما قرّراه من الشّرع الظّاهر ، وآمنوا بأمر آخر سمّوه : باطنا. وسمّوا الإيمان به : إيمانا حقيقيّا.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) : وآمنوا بجميعهم وجميع ما جاؤوا به. وإنّما دخل «بين» على «أحد» وهو يقتضي متعدّدا لعمومه ، من حيث أنّه وقع في سياق النّفي.
(أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ) : الموعودة لهم. سمّي الثّواب أجرا ، للدّلالة على استحقاقهم لها. والتّصدير «بسوف» للدّلالة على أنّه كائن لا محالة وإن تأخّر.
وقرأ حفص عن عاصم ، وقالون عن يعقوب ، بالياء ، على تلوين الخطاب (٣).
(وَكانَ اللهُ غَفُوراً) : لم يزل يغفر ما فرط منهم من المعاصي.
(رَحِيماً) (١٥٢) : يتفضّل عليهم بتضعيف الحسنات.
(يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ) :
في مجمع البيان (٤) : روي أنّ كعب بن الأشرف وجماعة من اليهود قالوا : إن كنت
__________________
(١) تفسير القمي ١ / ١٥٧.
(٢) كذا في النسخ ولعل الصواب : الرسالة.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ٢٥٣.
(٤) مجمع البيان ٢ / ١٣٣.