فرّد عليها السّلام ومسح بيده (١) على رأسها ، وقال : يا بنتاه كيف أمسيت يرحمك الله؟
قالت : بخير.
قال : عشّينا ، رحمك الله. وقد قعد ، فأخذت الجفنة ووضعتها بين يدي رسول الله وعليّ ـ صلّى الله عليهما وآلهما ـ فلمّا نظر أمير المؤمنين إلى الطّعام وشمّ ريحه [رمى فاطمة ببصره رميا شحيحا.
فقالت له فاطمة : سبحان الله ، ما أشحّ نظرك وأشدّه! فهل أذنبت فيما بيني وبينك ذنبا أستوجب به السّخطة منك؟
فقال : وأي ذنب أعظم من ذنب أصبت اليوم؟ أليس عهدي بك وأنت تحلفي بالله مجتهدة أنّك ما طعمت طعاما منذ يومين؟
فنظرت إلى السّماء وقالت : إلهي يعلم ما في سمائه وأرضه أنّي لم أقل إلّا حقّا].(٢) فقال لها : يا فاطمة فأنّى لك هذا الطّعام ، الّذي لم أنظر إلى مثل لونه ، ولم أشمّ مثل ريحه قطّ ، ولم آكل أطيب منه؟
قال : فوضع النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ كفّه المباركة على كتف عليّ أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وهزّها ثمّ هزّها ثلاث مرّات ، [ثمّ] (٣) قال : يا عليّ هذا بدل دينارك ، هذا جزاء (٤) دينارك من عند الله ، إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب. ثمّ استعبر باكيا وقال : الحمد لله الّذي أبى لكما أن يخرجكما من الدّنيا حتّى يجريك يا عليّ مجرى زكريا ، ويجريك يا فاطمة مجرى مريم بنت عمران ، وهو قوله تعالى : (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً. قالَ : يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا. قالَتْ : هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ).
(هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ) : في ذلك المكان ، أو في ذلك الوقت ـ وهنا وثمّ وحيث ، تستعار للزّمان ـ لمّا رأى كرامة مريم ومنزلتها من الله. أو لمّا رأى الفواكه في غير أوانها ، تنبّه لجواز ولادة العاقر من الشّيخ ، فسأل ربّه.
(قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) : كما وهبتها لحنّة العجوز العاقر.
(إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ) (٣٨) مجيبه.
__________________
(١) هكذا في المصدر. وفي النسخ : يده.
(٢) ما بين المعقوفتين ليس في المصدر.
(٣) من المصدر.
(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : أجر.