فقال : أما تسمع لقوله الآية (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ) : بدل من «إذ قالت» الأولى أو من «إذ يختصمون» بناء على أنّ الاختصام والبشارة في زمان متّسع ، كقولك : لقيته سنة كذا. (يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) : المسيح لقبه ، وهو من الألقاب المادحة ، وأصله مشيحا بالعبرانيّة ، ومعناه : المبارك ، كقوله (١) : وجعلني مباركا.
وعيسى معرّب أيشوع ، واشتقاقهما (٢) من المسح ، لأنّه مسح بالبركة ، أو بما طهّره من الذّنوب ، أو مسح الأرض ولم يقم في موضع ، أو مسحه جبرئيل. ومن العيس وهو بياض يعلوه حمرة ، كالرّاقم على الماء.
فإن قلت : لم قيل : اسمه المسيح عيسى بن مريم ، وهذه ثلاثة أشياء ، الاسم منها عيسى ، واما المسيح والابن فلقب وصفة؟
قلت الاسم للمسمّى علامة يعرف بها ويتمّيز بها عن غيره ، فكأنّه قيل : الّذي يعرف به ، ويتميّز ممّن سواه ، مجموع هذه الثّلاثة. ويحتمل أن يكون عيسى خبر مبتدأ محذوف ، وابن مريم صفته. وأن يكون كلّ من الثّلاثة اسما ، بمعنى : أنّ كلّا منها يميّز تمييز الأسماء. ولا ينافي تعدّد الخبر افراد المبتدأ ، فإنّه اسم جنس مضاف ، وإنّما قيل : ابن مريم والخطاب لها تنبيها على أنّه يولد من غير أب ، إذ الأولاد تنسب إلى الآباء ، ولا تنسب إلى الأمّ ، إلّا إذا فقد الأب.
(وَجِيهاً فِي الدُّنْيا) : حال مقدّرة من «كلمة» الموصوفة بقوله : «منه». والتّذكير للمعنى ، ووجاهته في الدّنيا بالنّبوّة.
(وَالْآخِرَةِ) : بالشّفاعة.
(وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (٤٥) : من الله.
وقيل (٣) : إشارة إلى علو درجته في الجنّة.
وقيل (٤) : إلى رفعه إلى السّماء ، وصحبته الملائكة.
(وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً) ، أي : حال كونه طفلا وكهلا كلام الأنبياء
__________________
(١) مريم / ٣١.
(٢) هكذا في أنوار التنزيل ١ / ١٦٠. وفي النسخ : «أيسوع ومشتقهما» بدل «ايشوع واشتقاقهما».
(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٦١.
(٤) نفس المصدر والموضع.