، أي : يضلّوك ويصرفوك عنه.
و «أن» بصلته بدل من «هم» بدل الاشتمال ، أي احذرهم فتنتهم. أو مفعول له : أي : احذرهم مخافة أن يفتنوك. نزلت في قريظة والنّضير في الحكاية السّالفة عنهم.
قيل (١) : روي أنّ أحبار اليهود قالوا : اذهبوا بنا إلى محمّد لعلّنا نفتنه عن دينه.
فقالوا : يا محمّد ، قد عرفت أنّا أحبار اليهود ، وأنّا إن اتّبعناك اتّبعنا اليهود كلّهم ، وأنّ بيننا وبين قومنا خصومة فنتحاكم إليك فتقضي لنا عليهم ، ونحن نؤمن بك ونصدّقك.
فأبى ذلك رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فنزلت.
(فَإِنْ تَوَلَّوْا) : عن الحكم المنزل ، وأرادوا غيره.
(فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ) : يعني : ذنب التّولّي عن حكم الله. فعبّر عنه بذلك ، تنبيها على أنّ لهم ذنوبا كثيرة ، وهذا مع عظمه واحد منها معدود من جملتها.
وفي لفظ «بعض» دلالة على التّعظيم ، كما في التّنكير ، ونظيره قول لبيد (٢) :
أو يرتبط بعض النّفوس حمامها
(وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ) (٤٩) : المتمرّدون في الكفر ، المعتدّون فيه.
(أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) : الّذي فيه الميل والمداهنة في الحكم. والمراد بالجاهليّة ، الملّة الجاهليّة الّتي هي متابعة الهوى.
وقرئ ، برفع الحكم. على أنّه مبتدأ و «يبغون» خبره. والرّاجع محذوف ، حذفه في الصّلة في قوله : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً). واستضعف ذلك في غير الشّعر (٣).
وقرئ : «أفحكم الجاهليّة» ، أي : يبغون حاكما كحكّام الجاهليّة يحكم
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٢٧٨.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٢٧٨.
(٣) نفس المصدر والموضع.