قول الله ، شهادة لهم بحبوط أعمالهم. وفيه معنى التّعجّب ، كأنّه قيل (١) : ما أحبط أعمالهم وما أخسرهم!
وفي تفسير العيّاشي (٢) : عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام (٣) ـ يقول : إنّ الحكم بن عتيبة وكثير النّوا (٤) وسلمة وأبا المقدام والتّمّار ، يعني : سالما ، أضلّوا كثيرا ممّن ضلّ من هؤلاء النّاس. وإنّهم ممّن قال الله (٥) : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) وإنّهم ممّن قال الله : (أَقْسَمُوا) (٦) (بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) [يحلفون بالله] (٧) (إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) :
وقرئ : «يرتدد» بدالين. وجوابه محذوف ، يعني : فلن يضرّوا الله شيئا ، فإن الله لا يخلي دينه من أنصار يحمونه. وهذا من الكائنات الّتي أخبر الله عنها قبل وقوعها.
قيل (٨) : وقد ارتدّ من العرب في أواخر عهد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ثلاث فرق : بنو مدلج. وكان رئيسهم ذا الخمار الأسود العنسي : تنبّا باليمن واستولى على بلاده. ثمّ قتله فيروز الدّيلميّ ليلة قبض رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن غدها.
وأخبر الرّسول في تلك اللّيلة فسرّ المسلمون. وأتى الخبر في أواخر ربيع الأوّل ، وبنو حنيفة أصحاب مسيلمة ، تنبّأ وكتب إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : «من مسيلمة رسول الله إلى محمّد رسول الله ، أمّا بعد فإنّ الأرض نصفها لي ونصفها لك.» فأجاب : «من محمّد رسول الله إلى مسيلمة الكذّاب ، أمّا بعد فإنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين.» فحاربه أبو بكر بجند من المسلمين وقتله وحشي قاتل حمزة ، وبنو أسد قوم طليحة بن خويلد. تنبّأ فبعث إليه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ خالدا.
__________________
(١) نفس المصدر والموضع.
(٢) تفسير العياشي ١ / ٣٢٦ ، ج ١٣٤.
(٣) المصدر : «قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ بدل «سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول».
(٤) المصدر والنسخ : «كثير بن النوا» وهي خطأ. ر. تنقيح المقال ٢ / ٣٦ ، رقم ٩٨٤٢.
(٥) البقرة / ٨.
(٦) المصدر والنسخ : وأقسموا.
(٧) من المصدر.
(٨) أنوار التنزيل ١ / ٢٨٠.