النّار والعقاب ، وهو (١) ترك الحرام ، وهو (٢) تقوى العامّ.
ومثل التّقوى ، كماء يجري في نهر. ومثل هذه الطّبقات الثّلاث في معنى التّقوى ، كأشجار مغروسة على حافّة ذلك النّهر [من] كلّ لون وجنس ، وكلّ شجر (٣) منها يستمصّ الماء من ذلك النّهر على قدر جوهره وطبعه (٤) ولطافته وكثافته ، ثمّ منافع الخلق من تلك الأشجار والثّمار على قدرها وقيمتها. قال الله ـ تعالى (٥) ـ : (صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) ..
فالتّقوى للطّاعات ، كالماء للأشجار. ومثل طبائع الأشجار [والثّمار] (٦) في لونها وطعمها ، مثل مقادير الإيمان. فمن كان أعلى درجة (٧) في الإيمان وأصفى جوهرا بالروح ، كان أتقى. [ومن كان أتقى ،] (٨) كانت عبادته أخلص وأطهر. ومن كان كذلك ، كان من الله أقرب. وكلّ عبادة غير مؤسّسة على التّقوى ، فهي هباء منثور. قال الله ـ تعالى (٩) ـ : (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ). (انتهى كلامه ـ صلوات الله عليه وسلامه ـ.).
بيان ذلك : أنّ أوائل درجات الإيمان تصديقا ، مشوبة بالشّبهة والشّكوك على اختلاف مراتبها. ويمكن معها الشّرك ، كما قال ـ سبحانه ـ (١٠) : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ). ويعبّر عنها بالإسلام ، كما قال الله ـ عزّ وجلّ ـ (١١) : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) ..
والتّقوى المتقدّمة عليها ، هي تقوى العامّ. وأوسطها تصديقات ، لا يشوبها شكّ ولا شبهة كما قال ـ عزّ وجلّ ـ (١٢) : (الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا) وأكثر
__________________
١ و ٢ ـ هكذا في المصدر. وفي النسخ : هي.
(٣) هكذا في المصدر. وفي النسخ : كلّ شجرة.
(٤) المصدر : طعمه.
(٥) الرعد / ٤.
(٦) من المصدر.
(٧) هكذا في المصدر. وفي النسخ : على درجة.
(٨) ليس في أ.
(٩) التوبة / ١٠٩.
(١٠) يوسف / ١٠٦.
(١١) الحجرات / ١٤.
(١٢) الحجرات / ١٥.