اقترحوه ، يعني : أنّ الملك لو أنزل بحيث عاينوه ، كما اقترحوا ، لحقّ إهلاكهم. فإنّ سنة الله جرت بذلك فيمن قبلهم.
(ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) (٨) : بعد نزوله طرفة عين.
(وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) : جواب ثان ، إن جعل الهاء للمطلوب. وإن جعل للرّسول ، فإنّه جواب اقتراح ثان. فإنّهم تارة ينتحلون (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) وتارة يقولون : لو شاء ربّنا لأنزل ملائكة ، يعني : ولو جعل قرينا لك ملكا يعاينونه. أو الرّسول ملكا لمثّلناه رجلا ، كما مثّلنا جبرئيل في صورة دحية. فإنّ القوى البشريّة لا تقوى على رؤية الملك في صورته.
(وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) (٩) :
قيل (١) : جواب محذوف ، أي : ولو جعلناه رجلا للبسنا ، أي : لخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم ، فيقولون : ما هذا إلّا بشر مثلكم.
والظّاهر ، أنّه جواب للشّرط المذكور بعد اعتبار تقييده بالجواب الأوّل ، فحينئذ لا احتياج إلى تقدير.
وقرئ (٢) : «لبسنا» بلا «لام» و «لبّسنا» بالتّشديد ، للمبالغة.
في كتاب الاحتجاج (٣) : عن أبي محمّد الحسن العسكريّ ـ عليه السّلام ـ قال : قلت لأبي عليّ بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ : هل كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يناظر اليهود والمشركين إذا عاتبوه ، ويحاجّهم (٤)؟
قال : بلى ، مرارا كثيرة. إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ كان قاعدا ذات يوم بمكّة بفناء الكعبة ... إذ ابتدأه عبد الله بن أبي أميّة المخزوميّ.
فقال : يا محمّد ، فقد ادّعيت دعوى عظيمة وقلت مقالا هائلا ، زعمت أنّك رسول ربّ العالمين ، [وما ينبغي لربّ العالمين] (٥) وخالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسوله ...
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٣٠٣ ـ ٣٠٤.
(٢) نفس المصدر والمجلد ، ص ٣٠٤.
(٣) الاحتجاج ١ / ٢٦ ـ ٣٠ ، بتقطيع للرواية.
(٤) هكذا في المصدر. وفي النسخ : يناظرهم.
(٥) من ج والمصدر.