فقال : هو الّذي يتألّه إليه عند الحوائج والشّدائد كلّ مخلوق عند انقطاع الرّجاء من جميع من هو دونه ، وتقطّع الأسباب من كلّ من سواه. وذلك أنّ كلّ مترئس في هذه الدّنيا ومتعظم فيها وإن عظم غناه وطغيانه وكثرت حوائج من دونه إليه ، فإنّهم سيحتاجون حوائج لا يقدر عليها هذا المتعاظم. وكذلك هذا المتعاظم يحتاج حوائج لا يقدر عليها ، فينقطع (١) إلى الله عند ضرورته وحاجته (٢) ، حتّى إذا كفى همّه عاد إلى شركه. أما تسمع الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ، بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ).
والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ) ، أي : قبلك.
و «من» مزيدة ، أي : الرّسل فكذّبوهم.
(فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ) : بالشّدة والفقر.
(وَالضَّرَّاءِ) : والضّرّ والآفات ، كنقصان الأنفس والأموال. وهما صيغتا تأنيث لا مذكّر لهما.
(لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) (٤٢) : يتذلّلون ، ويتوبون عن ذنوبهم.
في نهج البلاغة (٣) : قال ـ عليه السّلام ـ : لو أنّ النّاس حين تنزل بهم النّقم وتزول عنهم النّعم فزعوا إلى ربّهم بصدق من نيّاتهم ووله من قلوبهم ، لردّ عليهم كلّ شارد وأصلح لهم كلّ فاسد.
(فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا) :
معناه : نفي تضرّعهم في ذلك الوقت مع قيام الدّاعي. وبّخهم على ترك التضرّع ، لأنّه لا عذر لهم في ذلك إلّا عنادهم وقسوة قلوبهم.
وفي أصول الكافي (٤) ، بإسناده إلى مروك بيّاع اللّؤلؤ ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال في حديث طويل : وهكذا التّضرّع. وحرّك أصابعه يمينا
__________________
(١) كذا في المصدر ، ج ور ، وفي سائر النسخ : فيقع.
(٢) المصدر : فاقته.
(٣) نهج البلاغة / ٢٥٧ ، خطبة ١٧٨.
(٤) الكافي ٢ / ٤٨٠ ، ضمن ح ٣.