وفي كتاب معاني الأخبار (١) ، خطبة طويلة لعليّ ـ عليه السلام ـ. وفيها يقول ـ عليه السّلام ـ : أنا قابض الأرواح وبأس الله الّذي لا يردّه عن القوم المجرمين.
(سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) : إخبار عن مستقبل. ووقوع مخبره يدلّ على إعجازه.
(لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ) ، أي : لو شاء الله خلاف ذلك مشيئة ارتضاء ، كقوله : (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) لما فعلنا نحن ولا آباؤنا.
ولمّا احتمل أنّهم أرادوا بذلك أنّهم على الحقّ المشروع المرضيّ عند الله لا الاعتذار عن ارتكاب هذه القبائح بإرادة الله ـ تعالى ـ إيّاها منهم ، انتهض ذمّهم به دليلا للمعتزلة.
وعطف «آباؤنا» على الضّمير في «أشركنا» من غير تأكيد ، للفصل «بلا».
(كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ، أي : مثل هذا التّكذيب لك في أنّ الله منع من الشّرك ولم يحرّم ما حرّموه ، كذّب الّذين من قبلهم الرّسل.
(حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا) : الّذي أنزلنا عليهم بتكذيبهم.
(قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ) : من أمر معلوم يصحّ الاحتجاج به على ما زعمتم.
(فَتُخْرِجُوهُ لَنا) : فتظهروه لنا.
(إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) : ما تتّبعون في ذلك إلّا الظّنّ.
(وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) (١٤٨) : تكذبون على الله.
قيل (٢) : وفيه دليل على المنع من اتّباع الظّنّ ، سيّما في الأصول. ولعلّ ذلك حيث يعارضه قاطع ، إذ الآية فيه.
(قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) : البيّنة الواضحة ، الّتي بلغت غاية المتانة والقوّة على الإثبات ، أو بلغ بها صاحبها صحّة دعواه. وهي من الحجّ ، بمعنى : القصد ، كأنّها تقصد إثبات الحكم وتطلبه.
وفي تفسير العيّاشي (٣) : الحسين قال : سمعت أبا طالب القمّيّ يروي ، عن سدير ، عن أبى عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : نحن الحجّة البالغة على من دون السّماء وفوق
__________________
(١) المعاني / ٥٨ ، ضمن ح ٩.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٣٣٦.
(٣) تفسير العيّاشيّ ١ / ٣٨٣ ، ح ١٢٢.