«كان» فانفصل الضمير ، وهذا بعيد ، بل الظاهر أن «ما» على هذا التقدير مصدريّة.
تنبيه ـ تقع «كما» بعد الجمل كثيرا صفة في المعنى ؛ فتكون نعتا لمصدر أو حالا ، ويحتملهما قوله تعالى : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) [الأنبياء : ١٠٤] ، فإن قدّرته نعتا لمصدر فهو إما معمول لـ «نعيده» ، أي : نعيد أول خلق إعادة مثل ما بدأناه ، أو لـ «نطوي» ، أي : نفعل هذا الفعل العظيم كفعلنا هذا الفعل ؛ وإن قدّرته حالا فذو الحال مفعول نعيده ، أي : نعيده مماثلا للذي بدأنا ، وتقع كلمة «كذلك» أيضا كذلك.
فإن قلت : فكيف اجتمعت مع «مثل» في قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ) [البقرة : ١١٨] ، و «مثل» في المعنى نعت لمصدر قال المحذوف ، أي : كما أن كذلك نعت له ، ولا يتعدّى عامل واحد لمتعلّقين بمعنى واحد ، لا تقول : «ضربت زيدا عمرا» ؛ ولا يكون «مثل» تأكيدا لكذلك ، لأنه أبين منه ، كما لا يكون «زيد» من قولك : «هذا زيد يفعل كذا» توكيدا لهذا لذلك ، ولا خبرا لمحذوف بتقدير : الأمر كذلك ، لما يؤدّي إليه من عدم ارتباط ما بعده بما قبله.
قلت : «مثل» بدل من «كذلك» ، أو بيان ، أو نصب بـ «يعلمون» ، أي : لا يعلمون اعتقاد اليهود والنصارى ، فـ «مثل» بمنزلتها في «مثلك لا يفعل كذا» أو نصب بقال ، أو الكاف مبتدأ والعائد محذوف ، أي : قاله. وردّ ابن الشجري ذلك على مكي بأن قال : قد استوفى معموله وهو «مثل» ، وليس بشيء ، لأن «مثل» حينئذ مفعول مطلق أو مفعول به لـ «يعلمون» والضمير المقدّر مفعول به لقال.
والمعنى الرابع : المبادرة ، وذلك إذا تّصلت بـ «ما» في نحو : «سلّم كما تدخل» ، و «صلّ كما يدخل الوقت» ، ذكره ابن الخبّاز في النهاية ، وأبو سعيد السيرافي ، وغيرهما ، وهو غريب جدا.
والخامس : التوكيد ، وهي الزائدة نحو : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١]. قال الأكثرون : التقدير : ليس شيء مثله ؛ إذ لو لم تقدّر زائدة صار المعنى : ليس شيء مثل مثله ، فيلزم المحال ، وهو إثبات المثل ، وإنما زيدت لتوكيد نفي المثل ؛ لأن زيادة الحرف بمنزلة إعادة الجملة ثانيا ، قاله ابن جني ، ولأنهم إذا بالغوا في نفي الفعل عن أحد قالوا : «مثلك لا يفعل كذا» ، ومرادهم إنما هو النفي عن ذاته ، ولكنهم إذا نفوه عمن هو على أخصّ أوصافه فقد نفوه عنه.