يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ) [الأنبياء : ٩٤] ، ويؤيّدهما تمام الكلام قبل مجيء «أن» في قراءة بعضهم بالكسر.
الموضع الخامس : (ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (٧٩) وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً) [آل عمران : ٧٩ ـ ٨٠] ، قرىء في السبعة برفع (يَأْمُرَكُمْ) ونصبه ، فمن رفعه قطعه عمّا قبله. وفاعله ضميره تعالى أو ضمير الرسول. ويؤيّد الاستئناف قراءة بعضهم ولن يأمركم ولا على هذه القراءة نافية لا غير ، ومن نصبه فهو معطوف على (يؤتيه) كما أن (يقول) كذلك ، و (لا) على هذه زائدة مؤكّدة لمعنى النفي السابق ؛ وقيل : على (يقول) ولم يذكر الزمخشري غيره ، ثم جوز في (لا) وجهين :
أحدهما : الزيادة ، فالمعنى : ما كان لبشر أن ينصبه الله للدعاء إلى عبادته وترك الأنداد ، ثم يأمر الناس بأن يكونوا عبادا له ويأمركم أن تتّخذوا الملائكة والنبيّين أربابا.
والثاني : أن تكون غير زائدة ، ووجّهه بأن النبيّ عليه الصلاة والسّلام كان ينهى قريشا عن عبادة الملائكة ، وأهل الكتاب عن عبادة عزير وعيسى ، فلما قالوا له : أنتّخذك ربّا؟ قيل لهم : ما كان لبشر أن يستنبئه الله ثم يأمر النّاس بعبادته وينهاهم عن عبادة الملائكة والأنبياء ، هذا ملخّص كلامه ، وإنما فسّر «لا يأمر» بـ «ينهى» لأنها حالته عليه الصلاة والسّلام ، وإلا فانتفاء الأمر أعمّ من النهي والسكوت ، والمراد الأول وهي الحالة التي يكون بها البشر متناقضا ؛ لأن نهيه عن عبادتهم لكونهم مخلوقين لا يستحقّون أن يعبدوا ، وهو شريكهم في كونه مخلوقا ، فكيف يأمرهم بعبادته؟ والخطاب في (وَلا يَأْمُرَكُمْ) على القراءتين التفات.
تنبيه ـ قرأ جماعة (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا) [الأنفال : ٢٥] وخرّجها أبو الفتح على حذف ألف (لا) تخفيفا ، كما قالوا : «أم والله» ، ولم يجمع بين القراءتين بأن تقدّر (لا) في قراءة الجماعة زائدة ، لأن التوكيد بالنون يأبى ذلك.
* (لات) : اختلف فيها في أمرين :
أحدهما : في حقيقتها ، وفي ذلك ثلاثة مذاهب :
أحدها : أنها كلمة واحدة فعل ماض ، ثم اختلف هؤلاء على قولين ، أحدهما : أنها في الأصل بمعنى نقص ، من قوله تعالى : (لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً) [الحجرات : ١٤] فإنه