تنبيه
زعم قوم أن الواو قد تخرج عن إفادة مطلق الجمع ، وذلك على أوجه :
أحدها : أن تستعمل بمعنى «أو» ، وذلك على ثلاثة أقسام ؛ أحدها : أن تكون بمعناها في التقسيم كقولك : «الكلمة اسم وفعل وحرف» ، وقوله [من الطويل] :
كما النّاس مجروم عليه وجارم
وممن ذكر ذلك ابن مالك في التحفة ، والصواب أنها في ذلك على معناها الأصلي ، إذ الأنواع مجتمعة في الدخول تحت الجنس ، ولو كانت «أو» هي الأصل في التقسيم ، لكان استعمالها فيه أكثر من استعمال الواو.
والثاني : أن تكون بمعنى «أو» في الإباحة ، قاله الزمخشريّ ، وزعم أنه يقال : «جالس الحسن وابن سيرين» أي : أحدهما ، وأنه لهذا قيل : (تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) [البقرة : ١٩٦] بعد ذلك «ثلاثة» و «سبعة» ، لئلّا يتوهّم إرادة الإباحة ، والمعروف من كلام النحويين أنه لو قال : «جالس الحسن وابن سيرين» ، كان أمرا بمجالسة كلّ منهما ، وجعلوا ذلك فرقا بين العطف بالواو والعطف بـ «أو».
والثالث : أن تكون بمعناها في التّخيير ، قاله بعضهم في قوله [من الطويل] :
٢٨ ـ وقالوا : نأت فاختر لها الصّبر والبكا |
|
فقلت : البكا أشفى إذا لغليلي (١) |
قال : معناه أو البكاء ، إذ لا يجتمع مع الصبر. ونقول : يحتمل أن يكون الأصل : فاختر من الصبر والبكاء ، أي : أحدهما ، ثم حذف «من» كما في (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ) [الأعراف : ١٥٥] ، ويؤيّده أن أبا علي القالي رواه بـ «من». وقال الشاطبي رحمهالله في باب البسملة «وصل واسكتا» ، فقال شارحو كلامه : المراد التخيير ، ثم قال محقّقوهم : ليس ذلك من قبل الواو ، بل من جهة أن المعنى : وصل إن شئت واسكتن إن شئت ؛ وقال أبو شامة : وزعم بعضهم أن الواو تأتي للتخيير مجازا.
والثاني : أن تكون بمعنى باء الجر ، كقولهم : «أنت أعلم ومالك» و «بعت الشّاء شاة ودرهما» ، قاله جماعة ، وهو ظاهر.
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لكثير عزة في ديوانه ص ١١٤ ، وأمالي القالي ٢ / ٦٤ وشرح شواهد المغني ٢ / ٥٨١.