ويحتمله قوله [من الطويل] :
٤٩٢ ـ وإنّي لرام نظرة قبل الّتي |
|
لعلّي ، وإن شطّت نواها ، أزورها (١) |
وذلك على أن تقدّر الصلة «أزورها» وتقدر خبر «لعلّ» محذوفا ، أي : لعلّي أفعل ذلك.
والتاسع : بين أجزاء الصّلة ، نحو : (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) [يونس : ٧٦ ـ ٢٧] الآيات ؛ فإن جملة (وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) معطوفة على (كَسَبُوا السَّيِّئاتِ) فهي من الصّلة ، وما بينهما اعتراض بيّن به قدر جزائهم ، وجملة (ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ) [يونس : ٢٧] خبر ، قاله ابن عصفور ، وهو بعيد ؛ لأن الظاهر أن (تَرْهَقُهُمْ) لم يؤت به لتعريف «الذين» فيعطف على صلته ، بل جيء به للإعلام بما يصيبهم جزاء على كسبهم السيّئات ؛ ثم إنه ليس بمتعيّن ، لجواز أن يكون الخبر (جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) [يونس : ٢٧] فلا يكون في الآية اعتراض ؛ ويجوز أن يكون الخبر جملة النفي كما ذكر ، وما قبلها جملتان معترضتان ، وأن يكون الخبر (كَأَنَّما أُغْشِيَتْ) [يونس : ٢٧] فالاعتراض بثلاث جمل ، أو (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) [يونس : ٢٧] فالاعتراض بأربع جمل ، ويحتمل ـ وهو الأظهر ـ أن (الَّذِينَ) ليس مبتدأ ، بل معطوف على (الَّذِينَ) الأولى ، أي : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ ،) والذين كسبوا السيّئات جزاء سيّئة بمثلها ؛ فمثلها هنا في مقابلة الزيادة هناك ، ونظيرها في المعنى قوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٨٤) [القصص : ٨٤] ، وفي اللفظ قولهم «في الدّار زيد والحجرة عمرو» ، وذلك من العطف على معمولي عاملين مختلفين عند الأخفش ، وعلى إضمار الجارّ عند سيبويه والمحقّقين ؛ وممّا يرجّح هذا الوجه أن الظاهر أن الباء في (بِمِثْلِها) متعلّقة بالجزاء ، فإذا كان «جزاء سيّئة» مبتدأ احتيج إلى تقدير الخبر ، أي واقع ، قاله أبو البقاء ، أو لهم ، قاله الحوفي ، وهو أحسن ؛ لإغنائه عن تقدير رابط بين هذه الجملة ومبتدئها وهو (الَّذِينَ ؛) وعلى ما اخترناه يكون «جزاء» عطفا على «الحسنى» ، فلا يحتاج إلى تقدير آخر ؛ وأمّا قول أبي الحسن وابن كيسان إن (بِمِثْلِها) هو الخبر ، وإن الباء زيدت في الخبر كما زيدت في المبتدأ في «بحسبك درهم» فمردود عند الجمهور ، وقد يؤنس قولهما بقوله : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى : ٤٠].
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو للفرزدق في ديوانه ٢ / ١٠٦ ، وخزانة الأدب ٥ / ٤٦٤ ، والدرر ١ / ٢٧٧ ، وبلا نسبة في شرح شواهد المغني ٢ / ٨١٠.