وأجازه هشام وثعلب مطلقا ، نحو : «يعجبني قام زيد» ، وفصّل الفراء وجماعة ونسبوه لسيبويه ، فقالوا : إن كان الفعل قلبيّا ووجد معلّق عن الفعل نحو : «ظهر لي أقام زيد» صحّ ، وإلّا فلا ؛ وحملوا عليه (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) (٣٥) [يوسف : ٣٥] ، ومنعوا «يعجبني يقوم زيد» ، وأجازهما هشام وثعلب ، واحتجّا بقوله [من الطويل] :
٥٥٢ ـ وما راعني إلّا يسير بشرطة |
|
[وعهدي به قينا يسير بكير](١) |
ومنع الأكثرون ذلك كلّه ، وأوّلوا ما ورد مما يوهمه ، فقالوا : في «بدا» ضمير البداء ، و «تسمع» و «يسير» على إضمار «أن».
وأما قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) [البقرة : ١١] ، وقوله عليه الصلاة والسّلام : «لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة» ، وقول العرب «زعموا مطية الكذب» ، فليس من باب الإسناد إلى الجملة ؛ لما بيّنا في غير هذا الموضع.
حكم الجمل بعد المعارف وبعد النكرات
يقول المعربون على سبيل التقريب : الجمل بعد النكرات صفات ، وبعد المعارف أحوال.
وشرح المسألة مستوفاة أن يقال : الجمل الخبرية التي لم يستلزمها ما قبلها : إن كانت مرتبطة بنكرة محضة فهي صفة لها ، أو بمعرفة محضة فهي حال عنها ، أو بغير المحضة منهما فهي محتملة لهما ، وكل ذلك بشرط وجود المقتضي وانتفاء المانع.
مثال النوع الأول ـ وهو الواقع صفة لا غير لوقوعه بعد النكرات المحضة ـ قوله تعالى : (حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ) [الإسراء : ٩٣] ، (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ) [الأعراف : ١٦٤] ، (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ) [البقرة : ٢٥٤] ، ومنه (حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها) [الكهف : ٧٧] ، وإنما أعيد ذكر «الأهل» لأنه لو قيل : «استطعماهم» مع أن المراد وصف القرية لزم خلوّ الصفة من ضمير الموصوف ؛ ولو قيل : «استطعماها» كان مجازا ، ولهذا كان هذا الوجه أولى من أن تقدّر بالجملة جوابا لـ «إذا» ، لأن تكرار الظّاهر يعرى حينئذ عن هذا المعنى ، وأيضا فلأنّ الجواب في قصة الغلام (قالَ أَقَتَلْتَ) [الكهف :
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في الخصائص ٢ / ٤٣٤ ، وشرح المفصل ٤ / ٢٧.