الباب الثالث من الكتاب
في ذكر أحكام ما يشبه الجملة ، وهو الظرف
والجار والمجرور ذكر حكمهما في التعلق
لا بد من تعلقهما بالفعل ، أو ما يشبهه ، أو ما أوّل بما يشبهه ، أو ما يشير إلى معناه ؛ فإن لم يكن شيء من هذه الأربعة موجودا قدّر ، كما سيأتي.
وزعم الكوفيون وابنا طاهر وخروف أنه لا تقدير في نحو : «زيد عندك وعمرو في الدار» ، ثم اختلفوا ؛ فقال ابنا طاهر وخروف : الناصب المبتدأ ، وزعما أنه يرفع الخبر إذا كان عينه ، نحو : «زيد أخوك» ، وينصبه إذا كان غيره ، وأن ذلك مذهب سيبويه ، وقال الكوفيّون : الناصب أمر معنويّ ، وهو كونهما مخالفين للمبتدأ.
ولا معوّل على هذين المذهبين.
مثال التعلّق بالفعل وما يشبهه قوله تعالى : (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) [الفاتحة : ٧] ، وقول ابن دريد [من الرجز] :
٥٥٧ ـ واشتعل المبيضّ في مسودّه |
|
مثل اشتعال النّار في جزل الغضا (١) |
وقد تقدّر «في» الأولى متعلقة بـ «المبيض» ؛ فيكون تعلّق الجارين بالاسم ، ولكن تعلق الثاني بالاشتعال يرجّح تعلّق الأول بفعله ، لأنه أتمّ لمعنى التشبيه ؛ وقد يجوز تعلّق «في» الثانية بكون محذوف حالا من «النار» ، ويبعده أن الأصل عدم الحذف.
ومثال التعلّق بما أوّل بمشبه الفعل قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) [الزخرف : ٨٤] ، أي : وهو الذي هو إله في السماء ؛ فـ «في» متعلّقة بـ «إله» ، وهو اسم غير صفة ، بدليل أنه يوصف ، فتقول : «إله واحد» ، ولا يوصف به ، لا يقال : «شيء إله» ، وإنما صحّ التعلّق به لتأوّله بـ «معبود» ، و «إله» خبر لـ «هو» محذوفا ؛ ولا يجوز تقدير «إله» مبتدأ مخبرا عنه بالظّرف أو فاعلا بالظرف ، لأن الصلة حينئذ خالية من العائد ، ولا يحسن تقدير الظّرف صلة و «إله» بدلا من الضمير المستتر فيه ، وتقدير (وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ)
__________________
(١) البيت من بحر الرجز ، انظر : موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب ص ٧٦.