قلت : سوّغه الذي سوّغ تقدّم «بسرا» في «هذا بسرا أطيب منه رطبا» ، وإن كان معمول اسم التفضيل لا يتقدّم عليه في نحو : «لهو أكفؤهم ناصرا» ، وهو خشية اختلاط المعنى ، إلا أنّ هذا مطّرد ثمّ لقوّة التّفضيل ؛ ونادر هنا لضعف حرف التشبيه.
وهذا الذي ذكرته في البيت أجود ما قيل فيه ؛ وفيه قولان آخران :
أحدهما : ذكره السّخاوي في كتابه «سفر السعادة» ، وهو أن «عالة» من «عالني الشيء» إذا أثقلني ، و «ملوكا» مفعول : أي أننا نثقل الملوك بطرح كلّنا عليهم ، و «نحن أنتم» أي : مثلكم في هذا الأمر ؛ فالإخبار هنا مثله في (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) [الأحزاب : ٦].
والثاني قاله الحريريّ وقد سئل عن البيت ، وهو أن التقدير : إنّا عالة صعاليك نحن وأنتم ، وقد خطّىء في ذلك ؛ وقيل : إنه كلام لا معنى له ، وليس كذلك ، بل هو متّجه على بعد فيه ، وهو أن يكون «صعاليك» مفعول «عالة» ؛ أي : إنا نعول صعاليك ، ويكون «نحن» توكيدا لضمير «عالة» ، و «أنتم» توكيد لضمير مستتر في «صعاليك» ؛ وحصل في البيت تقديم وتأخير للضّرورة ؛ ولم يتعرّض لقوله «ملوكا» وكأنه عنده حال من ضمير «عالة» ، والأولى على قوله أن يكون «صعاليك» حالا من محذوف ، أي : نعولكم صعاليك ويكون الحالان بمنزلتهما في «ليته مصعدا منحدرا» ، فإنهم نصّوا على أنه يكون الأول للثّاني ، والثّاني للأول ؛ لأن فصلا أسهل من فصلين ، ويكون «أنتم» توكيدا للمحذوف ، لا لضمير «صعاليك» لأنه ضمير غيبة ؛ وإنما جوّزناه أولا لأن «الصعاليك» هم المخاطبون ، فيحتمل كونه راعى المعنى.
ذكر ما لا يتعلق من حروف الجر
يستثنى من قولنا : «لا بد لحرف الجرّ من متعلق» ستة أمور :
أحدها : الحرف الزائد كالباء و «من» في (كَفى بِاللهِ شَهِيداً) [الرعد : ٤٣] و [الإسراء : ٩٦] ، (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) [فاطر : ٣] ، وذلك لأن معنى التعلّق الارتباط المعنويّ ، والأصل أن أفعالا قصرت عن الوصول إلى الأسماء ، فأغينت على ذلك بحروف الجرّ ، والزائد إنما دخل في الكلام تقوية له وتوكيدا ، ولم يدخل للرّبط.
وقول الحوفي إن الباء في (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) (٨) [التين : ٨] متعلقة وهم.
نعم يصح في اللام المقوّية أن يقال إنها متعلّقة بالعامل المقوّى نحو : (مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ) [البقرة : ٩١] ، و (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) [هود : ١٠٧] ، و (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) [يوسف : ٤٣] ، لأنّ التحقيق أنها ليست زائدة محضة ، بل لما تخيّل في العامل من الضعف الذي نزّله منزلة