في النار الآن لتحقق الموعود به ، ولا يلزم ما ذكره ، لأنه لا يمتنع تقدير المستقبل ، ولكن ما ذكر أبلغ وأحسن.
ولا يجوز تقدير الكون الخاصّ كـ «قائم» و «جالس» إلّا لدليل ، ويكون الحذف حينئذ جائزا لا واجبا ، ولا ينتقل ضمير من المحذوف إلى الظرف والمجرور ، وتوهّم جماعة امتناع حذف الكون الخاص ، ويبطله أنّا متّفقون على جواز حذف الخبر عند وجود الدليل ، وعدم وجود معمول ، فكيف يكون وجود المعمول مانعا من الحذف مع أنه إمّا أن يكون هو الدليل أو مقوّيا للدليل؟ واشتراط النحويّين الكون المطلق إنما هو لوجوب الحذف ، لا لجوازه.
ومما يتخرّج على ذلك قولهم : «من لي بكذا» ، أي : من يتكفّل لي به؟ وقوله تعالى : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) [الطلاق : ١] ، أي : مستقبلات لعدّتهن ؛ وكذا فسّره جماعة من السّلف ، وعليه عوّل الزمخشري ، وردّه أبو حيّان توهّما منه أن الخاصّ لا يحذف ، وقال : الصّواب أن اللام للتوقيت ، وأن الأصل لاستقبال عدتهن ، فحذف المضاف ، ا ه.
وقد بيّنا فساد تلك الشبهة. وممّا يتخرّج على التعلّق بالكون الخاص قوله تعالى : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) [البقرة : ١٧٨] ، والتّقدير : مقتول أو يقتل ، لا كائن ، اللهمّ إلا أن تقدّر مع ذلك مضافين ، أي : قتل الحر كائن بقتل الحر ، وفيه تكلّف تقدير ثلاثة : الكون والمضافان ، بل تقدير خمسة ، لأن كلّا من المصدرين لا بدّ له من فاعل ؛ وممّا يبعد ذلك أيضا أنك لا تعلم معنى المضاف الذي تقدّره مع المبتدأ إلّا بعد تمام الكلام ، وإنما حسن الحذف أن يعلم عند موضع تقديره نحو : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢].
ونظير هذه الآية قوله تعالى : (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) الآية [المائدة : ٤٥] ، أي : أن النفس مقتولة بالنفس ، والعين مفقوءة بالعين ، والأنف مجدوع بالأنف ، والأذن مصلومة بالأذن ، والسنّ مقلوعة بالسنّ ، هذا هو الأحسن ؛ وكذلك الأرجح في قوله تعالى : (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) (٥) [الرحمن : ٥] أن يقدّر : بجريان ، فإن قدرت الكون قدرت مضافا ، أي جريان الشمس والقمر كائن بحسبان. وقال ابن مالك في قوله تعالى : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ) [النمل : ٦٥]. إن الظرف ليس متعلّقا بالاستقرار ، لاستلزامه إمّا الجمع بين الحقيقة والمجاز ، فإن الظرفيّة المستفادة من في حقيقة بالنسبة إلى غير الله سبحانه وتعالى ومجاز بالنسبة إليه تعالى ؛ وإما حمل قراءة السبعة على لغة مرجوحة ، وهي إبدال المستثنى المنقطع كما زعم الزمخشري ؛ فإنه زعم أن الاستثناء منقطع ، والمخلّص من هذين المحذورين أن يقدّر : قل لا يعلم من يذكر في السموات والأرض ؛ ومن جوّز اجتماع الحقيقة والمجاز في