مجرور عطفا على «بإسحاق» ، أو منصوب عطفا على محلّه. ويردّ الأول أنه لا يجوز الفصل بين العاطف والمعطوف على المجرور كـ «مررت بزيد واليوم عمرو». وقال بعضهم في قوله تعالى : (وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ) (٧) [الصافات : ٧] إنه عطف على معنى (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا) [الصافات : ٦] ، وهو إنا خلقنا الكواكب في السماء الدّنيا زينة للسماء ، كما قال تعالى : (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً) [الملك : ٥] ؛ ويحتمل أن يكون مفعولا لأجله ، أو مفعولا مطلقا ، وعليهما فالعامل محذوف : أي : وحفظا من كل شيطان زيّناها بالكواكب ، أو وحفظناها حفظا.
وأما المنصوب فعلا فكقراءة بعضهم : (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) [القلم : ٩] حملا على معنى : ودوا أن تدهن ؛ وقيل في قراءة حفص (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (٣٦) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ) [غافر : ٣٦ ـ ٣٧] بالنصب : إنه عطف على معنى (لَعَلِّي أَبْلُغُ) ، وهو : لعلّي أن أبلغ ، فإن خبر «لعلّ» يقترن بـ «أن» كثيرا ، نحو الحديث : «فلعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعض» ؛ ويحتمل أنه عطف على الأسباب على حد [من الوافر] :
٦٢٥ ـ للبس عباءة وتقرّ عيني |
|
[أحبّ إليّ من لبس الشّفوف](١) |
ومع هذين الاحتمالين فيندفع قول الكوفي : إن هذه القراءة حجّة على جواز النصب في جواب الترجّي حملا له على التمنّي.
وأما في المركّبات فقد قيل في قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ) [الروم : ٤٦] ، إنه على تقدير : ليبشّركم وليذيقكم ، ويحتمل أن التقدير : وليذيقكم وليكون كذا وكذا أرسلها. وقيل في قوله تعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ) [البقرة : ٢٥٩] إنه على معنى : أرأيت كالذي حاجّ أو كالذي مرّ ؛ ويجوز أن يكون على إضمار فعل : أي : أو أرأيت مثل الذي ، فحذف لدلالة (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَ) [البقرة : ٢٥٨] عليه ؛ لأن كليهما تعجّب ؛ وهذا التأويل هنا وفيما تقدّم أولى ، لأنّ إضمار الفعل لدلالة المعنى عليه أسهل من العطف على المعنى ؛ وقيل : الكاف زائدة ، أي : ألم تر إلى الذي حاجّ أو الذي مرّ ؛ وقيل : الكاف اسم بمعنى «مثل» معطوف على «الذي» ، أي : ألم تنظر إلى الذي حاجّ أو إلى مثل الذي مرّ.
__________________
(١) البيت من الوافر ، وهو لميسون بنت بحدل في خزانة الأدب ٨ / ٥٠٣ ، والدرر ٤ / ٩٠ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٢٧٣ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٥٣.