فيتوقّف على النظر فيما قبله من الأبيات ، وقد يكون معطوفا على أمر مقدّر يدلّ عليه المعنى ، أي : فافعل كذا وكحّل ، كما قيل في (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) [مريم : ٣٦].
وأما ما نقله أبو حيان عن سيبويه فغلط عليه ، وإنما قال : واعلم أنه لا يجوز «من عبد الله وهذا زيد الرجلين الصالحين» رفعت أو نصبت ؛ لأنك لا تثني إلا على من أثبتّه وعلمته ، ولا يجوز أن تخلط من تعلم ومن لا تعلم فتجعلهما بمنزلة واحدة ، وقال الصفار : لما منعها سيبويه من جهة النعت علم أنّ زوال النّعت يصحّحها ؛ فتصرّف أبو حيان في كلام الصفار وفهم فيه ، ولا حجّة فيما ذكر الصفار ، إذ قد يكون للشيء مانعان ويقتصر على ذلك أحدهما ، لأنه الذي اقتضاه المقام. والله أعلم.
عطف الاسمية على الفعلية ، وبالعكس
فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : الجواز مطلقا ، وهو المفهوم من قول النحويّين في باب الاشتغال في مثل «قام زيد وعمرا أكرمته» إن نصب «عمرا» أرجح ، لأن تناسب الجملتين المتعاطفتين أولى من تخالفهما.
والثاني : المنع مطلقا ، حكي عن ابن جني أنه قال في قوله [من الرمل] :
٦٣١ ـ عاضها الله غلاما بعد ما |
|
شابت الأصداغ والضّرس نقد (١) |
إن «الضّرس» فاعل بمحذوف يفسّره المذكور ، وليس بمبتدأ ، ويلزمه إيجاب النصب في مسألة الاشتغال السابقة ، إلا إن قال : أقدّر الواو للاستئناف.
والثالث : لأبي علي ، أنه يجوز في الواو فقط ، نقله عنه أبو الفتح في سر الصّناعة ، وبنى عليه منع كون الفاء في «خرجت فإذا الأسد حاضر» عاطفة.
وأضعف الثلاثة القول الثاني ، وقد لهج به الرازي في تفسيره ، وذكر في كتابه في مناقب الشافعي ، رضياللهعنه ، مجلسا جمعه وجماعة من الحنفيّة ، وأنهم زعموا أنّ قول الشافعي «يحلّ أكل متروك التّسمية» مردود بقوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) [الأنعام : ١٢١] ، فقال : فقلت لهم : لا دليل فيها ، بل هي حجّة للشافعي ،
__________________
(١) البيت من الرمل ، وهو للهذلي في لسان العرب ٣ / ٤٢٦ مادة / نقد / ، وبلا نسبة في إصلاح المنطق ص ٤٩ ، والخصائص ٢ / ٧١ ، وشرح شواهد المغني ص ٨٧٣.