وذلك لأن الواو ليست للعطف ؛ لتخالف الجملتين بالاسميّة والفعليّة ، ولا للاستئناف ؛ لأن أصل الواو أن تربط ما بعدها بما قبلها ، فبقي أن تكون للحال ؛ فتكون جملة الحال مقيّدة للنهي ، والمعنى : لا تأكلوا منه في حالة كونه فسقا ومفهومه جواز الأكل إذا لم يكن فسقا ، والفسق قد فسّره الله تعالى بقوله : (أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) [الأنعام : ١٤٥] ، فالمعنى : لا تأكلوا منه إذا سمّي عليه غير الله ، ومفهومه : كلوا منه إذا لم يسمّ عليه غير الله ، ا ه. ملخّصا موضحا. ولو أبطل العطف لتخالف الجملتين بالإنشاء والخبر لكان صوابا.
العطف على معمولي عاملين
وقولهم : «على عاملين» فيه تجوّز ، أجمعوا على جواز العطف على معمولي عامل واحد ، نحو : «إن زيدا ذاهب وعمرا جالس» ، وعلى معمولات عامل ، نحو : «أعلم زيد عمرا بكرا جالسا ، وأبو بكر خالدا سعيدا منطلقا» ، وعلى منع العطف على معمولي أكثر من عاملين ، نحو : «إنّ زيدا ضارب أبوه لعمرو وأخاك غلامه بكر» ؛ وأمّا معمولا عاملين ، فإن لم يكن أحدهما جارّا ، فقال ابن مالك : هو ممتنع إجماعا نحو : «كان آكلا طعامك عمرو وتمرك بكر» وليس كذلك ، بل نقل الفارسيّ الجواز مطلقا عن جماعة ، وقيل : إن منهم الأخفش ، وإن كان أحدهما جارّا فإن كان الجارّ مؤخّرا ، نحو : «زيد في الدار والحجرة عمرو ، أو وعمرو الحجرة» ، فنقل المهدويّ أنه ممتنع إجماعا ، وليس كذلك ، بل هو جائز عند من ذكرنا ؛ وإن كان الجارّ مقدّما نحو : «في الدار زيد والحجرة عمرو» فالمشهور عن سيبويه المنع ، وبه قال المبرّد وابن السرّاج وهشام ؛ وعن الأخفش الإجازة ، وبه قال الكسائي والفرّاء والزجّاج ؛ وفصّل قوم ـ منهم الأعلم ـ فقالوا : إن ولي المخفوض العاطف كالمثال جاز ، لأنه كذا سمع ، ولأنّ فيه تعادل المتعاطفات ، وإلا امتنع ، نحو : «في الدار زيد وعمرو الحجرة».
وقد جاءت مواضع يدلّ ظاهرها على خلاف قول سيبويه ، كقوله تعالى : (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٤) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٥) [الجاثية : ٣ ـ ٥] ، آيات الأولى منصوبة إجماعا ؛ لأنها اسم «أنّ» ، والثانية والثالثة قرأهما الأخوان بالنصب ، والباقون بالرّفع ، وقد استدلّ بالقراءتين في «آيات» الثالثة على المسألة ، أما الرفع فعلى نيابة الواو مناب الابتداء و «في» ، وأما النصب فعلى نيابتها مناب «إنّ» و «في».