مقدّم في الرتبة ؛ ووقع له نظير هذا في قول القائل : «مررت برجل ذاهبة فرسه مكسورا سرجها» ، فقال : تقديم الحال هنا على عاملها وهو «ذاهبة» ممتنع ، لأن فيه تقديم الضمير على مفسّره ، ولا شك أنه لو قدّم لكان كقولك : «غلامه ضرب زيد».
ووقع لابن مالك سهو في هذا المثال من وجه غير هذا ، وهو أنه منع من التّقديم لكون العامل صفة ، ولا خلاف في جواز تقديم معمول الصفة عليها بدون الموصوف ؛ ومن الغريب أن أبا حيان صاحب هذه المقالة وقع له أنه منع عود الضمير إلى ما تقدّم لفظا ، وأجاز عوده إلى ما تأخّر لفظا ورتبة ؛ أمّا الأول فإنه منع في قوله تعالى : (وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ) [آل عمران : ٣٠] كون «ما» شرطيّة ، لأن «تود» حينئذ يكون دليل الجواب ، لا جوابا لكونه مرفوعا ، فيكون في نيّة التقديم ، فيكون حينئذ الضمير في «بينه» عائدا على ما تأخر لفظا ورتبة ، وهذا عجيب ، لأن الضمير الآن عائد على متقدّم لفظا ، ولو قدّم «تود» لغير التركيب ، ويلزمه أن يمنع «ضرب زيدا غلامه» ، لأن «زيدا» في نيّة التأخير ، وقد استشعر ورود ذلك ، وفرّق بينهما بما لا معوّل عليه ؛ وأما الثاني فإنه قال في قوله تعالى : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ) [يوسف : ٣٥] إن فاعل «بدا» عائد على «السّجن» المفهوم من «ليسجننه».
شرح حال الضمير المسمّى فصلا وعمادا
والكلام فيه في أربع مسائل :
الأولى : في شروطه ، وهي ستة ، وذلك أنه يشترط فيما قبله أمران :
أحدهما : كونه مبتدأ في الحال أو في الأصل ، نحو : (أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الأعراف : ١٥٧] ، (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) (١٦٥) [الصافات : ١٦٥] الآية ، (كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) [المائدة : ١١٧] ، (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً) [المزمل : ٢٠] ، (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً) [الكهف : ٣٩] ، وأجاز الأخفش وقوعه بين الحال وصاحبها ، كـ «جاء زيد هو ضاحكا» ، وجعل منه : (هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) [هود : ٧٨] ، فيمن نصب (أَطْهَرُ ،) ولحّن أبو عمرو من قرأ بذلك ، وقد خرّجت على أن (هؤُلاءِ بَناتِي) جملة ، و (هُنَ) إما توكيد لضمير مستتر في الخبر ، أو مبتدأ و (لَكُمْ) الخبر ، وعليهما فـ «أطهر» حال ، وفيها نظر ؛ أما الأول فلأن «بناتي» جامد غير مؤوّل بالمشتقّ ، فلا يتحمّل ضميرا عند البصريّين ؛ وأما الثاني فلأن الحال لا يتقدّم على عاملها الظرفي عند أكثرهم.
والثاني : كونه معرفة كما مثّلنا ، وأجاز الفرّاء وهشام ومن تابعهما من الكوفيّين كونه