الجهة الخامسة : أن يترك بعض ما يحتمله اللفظ من الأوجه الظاهرة. ولنورد مسائل من ذلك ليتمرن بها الطالب مرتّبة على الأبواب ليسهل كشفها.
باب المبتدأ
مسألة ـ يجوز في الضّمير المنفصل من نحو : (إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة : ١٢٧ ، وآل عمران : ٣٥] ثلاثة أوجه : الفصل وهو أرجحها : والابتداء وهو أضعفها ، ويختصّ بلغة تميم ، والتوكيد.
مسألة ـ يجوز في الاسم المفتتح به من نحو قولك : «هذا أكرمته» الابتداء والمفعوليّة ، ومثله «كم رجل لقيته» ، و «من أكرمته» ، لكن في هاتين يقدّر الفعل مؤخّرا ، ومثلهما «ربّ رجل صالح لقيته».
مسألة ـ يجوز في المرفوع من نحو : «أفي الله شكّ» ، و «ما في الدّار زيد» ، الابتدائيّة والفاعليّة ، وهي أرجح لأن الأصل عدم التّقديم والتأخير ، ومثله كلمتا (غُرَفٌ) في سورةالزمر ؛ لأن الظرف الأول معتمد على المخبر عنه ، والثاني على الموصوف ؛ إذ «الغرف» الأولى موصوفة بما بعدها. وكذا «نار» في قول الخنساء [من البسيط] :
٧٢٠ ـ [وإنّ صخرا لتأتمّ الهداة به] |
|
كأنّه علم في رأسه نار (١) |
ومثله الاسم التالي للوصف في نحو : «زيد قائم أبوه» ، و «أقائم زيد» لما ذكرنا ، ولأن «الأب» إذا قدّر فاعلا كان خبر «زيد» مفردا ، وهو الأصل في الخبر ؛ ومثله (ظُلُماتٌ) من قوله تعالى : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ) [البقرة : ١٩] لأنّ الأصل في الصّفة الإفراد ؛ فإن قلت : «أقائم أنت» فكذلك عند البصريين ، وأوجب الكوفيّون في ذلك ، الابتدائيّة ، ووافقهم ابن الحاجب ، ووهم إذ نقل في أماليه الإجماع على ذلك ؛ وحجّتهم أن المضمر المرتفع بالفعل لا يجاوره منفصلا عنه ؛ لا يقال : «قام أنا» ؛ والواجب أنه إنما انفصل مع الوصف لئلّا يجهل معناه ، لأنه يكون معه مستترا ، بخلافه مع الفعل فإنه يكون بارزا كـ «قمت» أو «قمت» ؛ ولأن طلب الوصف لمعموله دون طلب الفعل ؛ فلذلك احتمل معه الفصل ؛ ولأنّ المرفوع بالوصف سدّ في اللفظ مسدّ واجب
__________________
(١) البيت من البسيط ، وهو للخنساء في ديوانها ص ٣٨٦ ، وجمهرة اللغة ص ٩٤٨ ، وتاج العروس ١٠ / ٢٩٢ مادة / صخر /.