الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [الزمر : ٩] ، (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) [الأعراف : ٣١] ، (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَ) [الإنسان : ٢٠] ، إذ المعنى : ربي الذي يفعل الإحياء والإماتة ، وهل يستوي من يتّصف بالعلم ومن ينتفي عنه العلم ، وأوقعوا الأكل والشرب ، وذروا الإسراف ، وإذا حصلت منك رؤية هنالك ؛ ومنه على الأصحّ (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) [القصص : ٢٣] الآية ، ألا ترى أنّه عليه الصلاة والسّلام إنّما رحمهما إذ كانتا على صفة الذّياد وقومهما على السّقي ، لا لكون مذودهما غنما ومسقيهم إبلا ، وكذلك المقصود من قولهم : (لا نَسْقِي) [القصص : ٢٣] السقي ، لا المسقي ، ومن لم يتأمل قدّر : يسقون إبلهم ، وتذودان غنمهما ، ولا نسقي غنمنا.
وتارة يقصد إسناد الفعل إلى فاعله وتعليقه بمفعوله ؛ فيذكران ، نحو : (لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا) [آل عمران : ١٣٠] ، (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى) [الإسراء : ٣٢] ، وقولك : «ما أحسن زيدا» ؛ وهذا النوع إذا لم يذكر مفعوله قيل : محذوف ، نحو : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) (٣) [الضحى : ٣] ، وقد يكون في اللفظ ما يستدعيه فيحصل الجزم بوجوب تقديره ، نحو : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) [الفرقان : ٤١] ، (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) [الحديد : ١٠] ، وقال [من الوافر] :
٧٩٧ ـ حميت حمى تهامة بعد نجد |
|
وما شيء حميت بمستباح (١) |
بيان مكان المقدّر
القياس أن يقدّر الشيء في مكانه الأصليّ ، لئلّا يخالف الأصل من وجهين : الحذف ، ووضع الشيء في غير محلّه.
فيجب أن يقدّر المفسر في نحو : «زيدا رأيته» مقدّما عليه ؛ وجوّز البيانيّون تقديره مؤخّرا عنه ، وقالوا : لأنه يفيد الاختصاص حينئذ ؛ وليس كما توهّموا ، وإنما يرتكب ذلك عند تعذّر الأصل ، أو عند اقتضاء أمر معنويّ لذلك.
فالأول نحو : «أيّهم رأيته» إذ لا يعمل في الاستفهام ما قبله ، ونحو : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) [فصلت : ١٧] فيمن نصب ، إذ لا يلي «أمّا» فعل ؛ وكنا قدّمنا في نحو : «في الدار زيد» أن متعلّق الظرف يقدّر مؤخّرا عن «زيد» ، لأنه في الحقيقة الخبر ، وأصل الخبر أن
__________________
(١) البيت من البحر الوافر ، وهو لجرير في ديوانه ١ / ٨٩ ، وبلا نسبة في خزانة الأدب ٦ / ٤٢ ، وسر صناعة الأعراب ١ / ٤٠٢.